دنا منه ومن أصحابه، فوقف له كسرى على طرف القنطرة، ووتر قوسه، وكان من رماة الناس، فوضع فيها نشابة، وخاف أن يعمد برميته بهرام، فلا يعمل السهم فيه لجودة درعه، فأراد أن يعمد وجهه، فلم يأمن أن يتترس بدرقته (1) أو يميل وجهه عن سهمه، فرمى جبهة فرسه، فلم يخطئ وسط جبهته، واستدار الفرس من شدة الرمية، ثم سقط.
وبقي بهرام راجلا، فأمعن كسرى ركضا حتى دخل المدائن، وأتى أباه، ولم يعلمه أن بهرام إنما يحاول رد الملك إليه غير أنه قال له: (إن أصحابي جميعا مالوا إليه ثم قال (ما الذي ترى؟) قال (أرى لك أن تلحق بقيصر، فإنه سينجدك، وينصرك حتى يسترجع لك ملكك). فقبل كسرى يدي أبيه ورجليه، وودعه، وسار نحو البحر في أصحابه ، وكانوا تسعة، هو عاشرهم، فقال بعضهم لبعض: (إن بهرام يوافي المدائن اليوم أو غدا، فيملك هرمزد، فيكون ملكا كما لم يزل، ثم يكتب هرمزد إلى قيصر، فيردنا إليه، فيقتلنا جميعا، وليس كسرى بملك ما دام أبوه حيا). فقال بندونيه وبسطام خالا كسرى (نحن نكفيكم ذلك) . فانصرفا على المقبض، ثم أقبلا حتى دخلا قصر المملكة، وولجا على هرمزد البيت الذي كان فيه، وقد شغل الحشم بالبكاء والعويل، لهرب كسرى من عدوه، فألقيا عمامة في عنقه، فخنقاه حتى مات.
ثم لحقا بكسرى، ولم يخبراه بذلك، وساروا بالركض الشديد يومهم، مخافة الطلب، ومن الغد حتى شارفوا مدينة هيت (2)، وانتهوا إلى دير رهبان، فنزلوه، فأتوهم بخبز شعير، فبلوه بالماء، وأكلوه، وأتوهم بخل، فمزجوه بماء، وشربوا منه، واتكأ كسرى على خاله بسطام، فنام لشدة ما أصابه من التعب، فبينا هم كذلك إذ ناداهم الراهب من صومعته: أيها النفر، قد أتتكم الخيل، وهم بالبعد.