ويجتنب عنه. كما أن المتحرز بنفسه عن الكذب قد يكون متحرزا عن حكايته عن غيره، أو متحرزا عن الحكاية عن الكذاب والضعيف ومن لا يبالي بالحديث مطلقا، وإن كان صدوقا أيضا، وقد لا يكون كذلك، فلا يبالي بالحديث عمن سمع منه وإن كان في نفسه صدوقا لا يكذب، وغير ذلك من وجوه الوثوق بالرجل. فمع تقييد التوثيق بوجه يختص به ومع عدمه فالإطلاق يقتضي الوثوق به في كل جهة.
إذا عرفت هذا نقول: قد ضعف أصحابنا بعض الرواة بالاختلال في آخر عمرهم، وبالاضطراب والفساد مذهبا، وبالغلو والتخليط، وبرواية المناكير، وبالرواية عن الضعاف، أو عن المجاهيل، ومن لا يبالي بالحديث، وبالارسال كثيرا، والتساهل في الحديث، والاكتفاء بالوجادة في الكتب مع الإجازة من مؤلفيها أو المشايخ، أو بلا إجازة، أو بتخليط الوجادات مع الروايات التي سمعها أو قرأها على المشايخ، وغير ذلك من وجوه الضعف في الحديث مما لا يخفى على المتأمل في الرجال.
كما أن الأصحاب لم يهملوا ضعف الرواة الثقات ببعض الوجوه المتقدمة إذا وقفوا عليه. ففي الحسين بن أحمد بن المغيرة البوشنجي (ر 165) قال النجاشي: كان عراقيا، مضطرب المذهب، وكان ثقة فيما يرويه...، إلخ.
ونبه على انحراف الرواة الثقات من الفطحية والزيدية وغيرهم من أصحاب المذاهب الباطلة، بل قال في محمد بن عبد الله بن غالب الأنصاري (ر 916): ثقة في الرواية على مذهب الواقفة...، إلخ.
وقد كثر تضعيفهم للرواة الثقات لأجل التساهل في الحديث والرواية عن الضعاف والمجاهيل، وغير ذلك من وجوه الضعف في الحديث والرواية، بل صرحوا بكونهم ثقات في أنفسهم. وقد أخرج رئيس العلماء والمحدثين في