الثالث: أن الواجب ما لا يجوز تركه مع القدرة عليه والامر فيما نحن فيه بخلافه.
الرابع: أن الخصوم قد وافقوا على أنه لو أتى بالجميع، أو ترك الجميع، فإنه لا يثاب ولا يعاقب على الجميع.
الخامس: أنه لو كان الجميع واجبا، لنوى نية أداء الواجب في كل واحدة من الخصال عندما إذا فعل الجميع، وهو خلاف الاجماع. ولا جائز أن يقال بأن الواجب واحد معين، إذ هو خلاف مقتضى التخيير، ولأنه كان يلزم أن لا يحصل الاجزاء بتقدير أداء غيره مع القدرة عليه، وهو خلاف الاجماع. فلم يبق غير الابهام.
غير أن أبا الحسين البصري قد تكلف رد الخلاف في هذه المسألة إلى اللفظ دون المعنى، وذلك أنه قال: معنى إيجاب الجميع أن الله تعالى حرم ترك الجميع، لا كل واحد واحد منها بتقدير فعل المكلف لواحد منها مع تفويض فعل أي واحد منها كان إلى المكلف. وهذا هو بعينه مذهب الفقهاء. غير أن ما ذكره في تفسير وجوب الجميع، وإن كان رافعا للخلاف، غير أنه خلاف ما نقله الأئمة عن الجبائي وابنه من إطلاق القول بوجوب الجميع والدلائل المشعرة بذلك. فلننسج في الحجاج على منوالهم.
فإن قيل: ما ذكرتموه من الدليل، إنما يلزم أن لو كانت آية التكفير وهي قوله تعالى: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * (5) المائدة: 89) الآية، دالة على تخيير كل واحد واحد من الأمة بين خصال الكفارة بجهة الايجاب. وما المانع أن يكون ذلك إخبارا عما يوجد من الكفارة وتقديره فما يوجد من الكفارة هو إطعام من حانث، أو كسوة من حانث آخر، أو عتق من حانث آخر.