فالطالب لكي يتسلل من كتب السطح إلى درس الخارج كأنه يكلف بطفرة وبأن يقطع في لحظة مسافة لم يقطعها علم الأصول خلال تطوره التدريجي إلا في مائة عام.
وكأن اختيار الكتب الدراسية من مراحل مختلفة للفكر الأصولي نشأ من الشعور بلزوم التدرج في الكتب الدراسية من الأبسط إلى الأعمق، ولما كان علم الأصول في وضعه على عهد صاحب المعالم أبسط منه في عهد صاحب القوانين. وفي هذا العهد أبسط منه في عهد الرسائل والكفاية، فقد لوحظ ان هذا يحقق التدرج المطلوب إذا جعل الكتاب الدراسي الأول نتاج مرحلة قديمة من علم الأصول وما يتلوه نتاج مرحلة متأخرة وهكذا.
وهذا الشعور يشتمل على حقيقة وعلى خطأ.
اما الحقيقة فهي لزوم التدرج في الكتب الدراسية من الأبسط إلى الأعمق، واما الخطأ فهو ان هذا التدرج لا ينبغي أن يكون منتزعا من تاريخ علم الأصول ومعبرا عما مر به هذا العلم نفسه من تدرج خلال نموه، لان هذا يكلف الطالب ان يصرف وقتا كثيرا في مطالب وأفكار لم يعد لها موضع في العلم بحسب وضعه الفعلي، وانما الوضع الصحيح في الكتب الدراسية الذي يشتمل على التدرج المطلوب هو ان تتجه هذه الكتب جميعا على اختلاف مراحلها الدراسية لعرض آخر ما وصل إليه العلم من أفكار وتحقيقات ومصطلحات، ولكن بدرجات من العرض تختلف من ناحية الكم أو الكيف أو من الناحيتين معا، والاختلاف في الكم يعني التفاوت في المقدار المعطى من الأفكار، فبدلا عن استعراض خمسة اعتراضات على الاستدلال بآية النبأ مثلا يبدأ في الحلقة الأولى باعتراض أو اعتراضين ثم يستعرض عدد أكبر من الاعتراضات في حلقة تالية، والاختلاف في الكيف يعني التفاوت في درجة عمق ما يطرح من فكرة، فحينما يراد الحديث عن مسلك جعل