ولا منشأ لتوهمه، إلا بداهة أنه ليس في معصية واحدة إلا عقوبة واحدة، مع الغفلة عن أن وحدة المسبب تكشف بنحو الآن عن وحدة السبب.
الامر الثالث: إنه قد عرفت (1) أن القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب، يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب، أو الذم والعقاب، من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب، وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف متعلقه، لا يماثله ولا يضاده، كما إذا ورد مثلا في الخطاب أنه (إذا قطعت بوجوب شئ يجب عليك التصدق بكذا) تارة بنحو يكون تمام الموضوع، بأن يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ موجبا لذلك، وأخرى بنحو يكون جزؤه وقيده، بأن يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا له، وفي كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه، وآخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به، وذلك لان القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة - ولذا كان العلم نورا لنفسه ونورا لغيره - صح أن يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة، بإلغاء جهة كشفه، أو اعتبار خصوصية أخرى فيه معها، كما صح أن يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاك عنه، فتكون أقسامه أربعة، مضافا إلى ما هو طريق محض عقلا غير مأخوذ في الموضوع شرعا.
ثم لا ريب في قيام الطرق والامارات المعتبرة - بدليل حجيتها واعتبارها - مقام هذا القسم، كما لا ريب في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الأقسام، بل لا بد من دليل آخر على التنزيل، فإن قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار، لا له بما هو صفة وموضوع، ضرورة أنه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصفات.
ومنه قد انقدح عدم قيامها بذاك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو