للمأمور به - إلا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه مقيدا بأمر آخر، وما لم يتعلق بها الامر كذلك لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية، وإن أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية، وجعل الماهية واختراعها ليس إلا تصوير ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للامر بها، فتصورها بأجزائها وقيودها لا يوجب اتصاف شئ منها بجزئية المأمور به أو شرطه قبل الامر بها، فالجزئية للمأمور به أو الشرطية له إنما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الامر به، بلا حاجة إلى جعلها له، وبدون الامر به لا اتصاف بها أصلا، وإن اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور أو لذي المصلحة، كما لا يخفى.
وأما النحو الثالث: فهو كالحجية والقضاوة والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك، حيث أنها وإن كان من الممكن انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون في مواردها - كما قيل - ومن جعلها بإنشاء أنفسها، إلا أنه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى، أو من بيده الامر من قبله - جل وعلا - لها بإنشائها، بحيث يترتب عليها آثارها، كما يشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الايقاع ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة التكاليف والآثار، ولو كانت منتزعة عنها لما كاد يصح اعتبارها إلا بملاحظتها، وللزم أن لا يقع ما قصد، ووقع ما لم يقصد.
كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها، فلا ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات، ولا الزوجية من جواز الوطئ، وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود والايقاعات.
فانقدح بذلك أن مثل هذه الاعتبارات إنما تكون مجعولة بنفسها، يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف، لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه.
وهم ودفع: أما الوهم (1): فهو أن الملكية كيف جعلت من الاعتبارات