يقدم بلا كلام.
وأما في الثاني: فلان التقييد وإن كان خلاف الأصل، إلا أن العمل إلي يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة، وانتفاء بعض مقدماته، لا يكون على خلاف الأصل أصلا، إذ معه لا يكون هناك إطلاق، كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة مثل التقييد الذي يكون على خلاف الأصل.
وبالجملة لا معنى لكون التقييد خلاف الأصل، إلا كونه خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة مقدمات الحكمة، ومع انتفاء المقدمات لا يكاد ينعقد له هناك ظهور، كان ذاك العمل المشارك مع التقييد في الأثر، وبطلان العمل بإطلاق المطلق، مشاركا معه في خلاف الأصل أيضا.
وكأنه توهم: أن إطلاق المطلق كعموم العام ثابت، ورفع اليد عن العمل به، تارة لاجل التقييد، وأخرى بالعمل المبطل للعمل به، وهو فاسد، لأنه لا يكون إطلاق إلا فيما جرت هناك المقدمات.
نعم إذا كان التقييد بمنفصل، ودار الامر بين الرجوع إلى المادة أو الهيئة كان لهذا التوهم مجال، حيث انعقد للمطلق إطلاق، وقد استقر له ظهور ولو بقرينة الحكمة، فتأمل.
ومنها: تقسيمه إلى النفسي والغيري، وحيث كان طلب شئ وإيجابه لا يكاد يكون بلا داع، فإن كان الداعي فيه هو التوصل به إلى واجب، لا يكاد التوصل بدونه إليه، لتوقفه عليه، فالواجب غيري، وإلا فهو نفسي، سواء كان الداعي محبوبية الواجب بنفسه، كالمعرفة بالله، أو محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه، كأكثر الواجبات من العبادات والتوصليات.
هذا، لكنه لا يخفى أن الداعي لو كان هو محبوبيته كذلك - أي بما له من الفائدة المترتبة عليه - كان الواجب في الحقيقة واجبا غيريا، فإنه لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازما، لما دعي إلى إيجاب ذي الفائدة.