من تبعة العقوبة واللوم والمذمة - يمكن أن يقال: إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنما يكون من تبعة بعده عن سيده بتجريه عليه، كما كان من تبعته بالعصيان في صورة المصادفة، فكما أنه يوجب البعد عنه، كذلك لا غرو في أن يوجب حسن العقوبة، وإن لم يكن باختياره (1) إلا أنه بسوء سريرته وخبث باطنه، بحسب نقصانه واقتضاء استعداده ذاتا وإمكانه (2)، وإذا انتهى الامر إليه يرتفع الاشكال وينقطع السؤال ب (لم) فإن الذاتيات ضروري الثبوت للذات.
وبذلك أيضا ينقطع السؤال عن أنه لم اختار الكافر والعاصي الكفر والعصيان؟ والمطيع والمؤمن الإطاعة والايمان؟ فإنه يساوق السؤال عن أن الحمار لم يكون ناهقا؟ والانسان لم يكون ناطقا؟
وبالجملة: تفاوت أفراد الانسان في القرب منه تعالى (3) والبعد عنه، سبب لاختلافها في استحقاق الجنة ودرجاتها، والنار ودركاتها، [وموجب لتفاوتها في نيل الشفاعة وعدم نيلها]، وتفاوتها في ذلك بالآخرة يكون ذاتيا، والذاتي لا يعلل.
إن قلت: على هذا، فلا فائدة في بعث الرسل وإنزال الكتب والوعظ والانذار.
قلت: ذلك لينتفع به من حسنت سريرته وطابت طينته، لتكمل به نفسه، ويخلص مع ربه أنسه، ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، قال الله تبارك وتعالى: