هذا مراد من قال: إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا، ولا يرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الأخرى بالكراهة، ولزوم اتصاف ما لا مزيد فيه ولا منقصة بالاستحباب، لأنه أكثر ثوابا مما فيه المنقصة، لما عرفت من أن المراد من كونه أقل ثوابا، إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها، ولا منقصة من المشخصات، وكذا كونه أكثر ثوابا، ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح إلا للارشاد، بخلاف القسم الأول، فإنه يكون فيه مولويا، وإن كان حمله على الارشاد بمكان من الامكان.
وأما القسم الثالث: فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز، وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك العنوان، ويمكن أن يكون على الحقيقة إرشادا إلى غيرها من سائر الافراد، مما لا يكون متحدا معه أو ملازما له، إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة، بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان أصلا، هذا على القول بجواز الاجتماع.
وأما على الامتناع، فكذلك في صورة الملازمة، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر - كما هو المفروض، حيث أنه صحة العبادة - فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني، فيحمل على ما حمل عليه فيه، طابق النعل بالنعل، حيث أنه بالدقة يرجع إليه، إذا على الامتناع، ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملاءمة كما عرفت.
وقد انقدح بما ذكرناه، أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول مطلقا، وفي هذا القسم على القول بالجواز، كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها، وأن الامر الاستحبابي يكون على نحو