﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ (1) وليكون حجة على من ساءت سريرته وخبثت طينته، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، كيلا يكون للناس على الله حجة، بل كان له حجة بالغة.
ولا يخفى أن في الآيات (2) والروايات (3)، شهادة على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الاطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة، ومعه لا حاجة إلى ما استدل (4) على استحقاق المتجري للعقاب بما حاصله: إنه لولاه مع استحقاق العاصي له يلزم إناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار، من مصادفة قطعه الخارجة عن تحت قدرته واختياره، مع بطلانه وفساده، إذ للخصم أن يقول بأن استحقاق العاصي دونه، إنما هو لتحقق سبب الاستحقاق فيه، وهو مخالفته عن عمد واختيار، وعدم تحققه فيه لعدم مخالفته أصلا، ولو بلا اختيار، بل عدم صدور فعل منه في بعض افراده بالاختيار، كما في التجري بارتكاب ما قطع أنه من مصاديق الحرام، كما إذا قطع مثلا بأن مائعا خمر، مع أنه لم يكن بالخمر، فيحتاج إلى إثبات أن المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية الاختيارية، كما عرفت بما لا مزيد عليه.
ثم لا يذهب عليك: إنه ليس في المعصية الحقيقية إلا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة، وهو هتك واحد، فلا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين كما توهم (5)، مع ضرورة أن المعصية الواحدة لا توجب إلا عقوبة واحدة، كما لا وجه لتداخلهما على تقدير استحقاقهما، كما لا يخفى.