عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه.
فإنه يقال: حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده، كان التكليف المتعلق به مطلقا، فإذا اشتغلت الذمة به، كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك، وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه، فإنه من حدود التكليف به وقيوده، ولا يكون الاشتغال به من الأول إلا مقيدا بعدم عروضه، فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد، فلا يجب رعايته فيما بعده، ولا يكون إلا من باب الاحتياط في الشبهة البدوية، فافهم وتأمل فإنه دقيق جدا.
الثاني: إنه لما كان النهي عن الشئ (1) إنما هو لاجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه، لو لم يكن له داع آخر - ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به، وأما ما لا ابتلاء به بحسبها، فليس للنهي عنه موقع أصلا، ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل، بل يكون من قبيل طلب الحاصل - كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم، فإنه بدونه لا علم بتكليف فعلي، لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به.
ومنه قد انقدح أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا، هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال، ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة، لعدم القطع بالاشتغال، لا إطلاق الخطاب (2)، ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ (3) بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه، لا فيما شك في اعتباره في صحته، تأمل (4) لعلك تعرف إن شاء الله تعالى.