ولو مع العلم، لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل، ولا بعد أصلا في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شئ والجهل به، كما لا يخفى. وقد صار بعض الفحول (1) بصدد بيان إمكان كون المأتي به في غير موضعه مأمورا به بنحو الترتب، وقد حققناه في مبحث الضد امتناع الامر بالضدين مطلقا، ولو بنحو الترتب، بما لا مزيد عليه فلا نعيد.
ثم إنه ذكر (2) لأصل البراءة شرطان آخران:
أحدهما: أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى.
ثانيهما: أن لا يكون موجبا للضرر على آخر.
ولا يخفى أن أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية، وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية والإباحة أو رفع التكليف الثابت بالبراءة النقلية، لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه، فإن لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا، فهي وإن كانت جارية إلا أن ذاك الحكم لا يترتب، لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها، وهذا ليس بالاشتراط.
وأما اعتبار أن لا يكون موجبا للضرر، فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه لأصالة البراءة، كما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية، إلا أنه حقيقة لا يبقى لها مورد، بداهة أن الدليل الاجتهادي يكون بيانا وموجبا للعلم بالتكليف ولو ظاهرا، فإن كان المراد من الاشتراط ذلك، فلا بد من اشتراط أن لا يكون على خلافها دليل اجتهادي، لا خصوص قاعدة الضرر، فتدبر، والحمد لله على كل حال.