ويؤيده أنه لو لم يكن للارشاد يوجب تخصيصه لا محالة ببعض الشبهات إجماعا، مع أنه آب عن التخصيص قطعا، كيف لا يكون قوله: (قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة) للارشاد؟ مع أن المهلكة ظاهرة في العقوبة، ولا عقوبة في الشبهة البدوية قبل إيجاب الوقوف والاحتياط، فكيف يعلل إيجابه بأنه خير من الاقتحام في الهلكة؟
لا يقال: نعم، ولكنه يستكشف منه (1) على نحو الآن إيجاب الاحتياط من قبل، ليصح به العقوبة على المخالفة.
فإنه يقال: إن مجرد إيجابه واقعا ما لم يعلم لا يصحح العقوبة، ولا يخرجها عن أنها بلا بيان ولا برهان، فلا محيص عن اختصاص مثله بما يتنجز فيه المشتبه لو كان كالشبهة قبل الفحص مطلقا، أو الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي، فتأمل جيدا.
وأما العقل: فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته، حيث علم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه أو حرمته، مما لم يكن هناك حجة على حكمه، تفريغا للذمة بعد اشتغالها، ولا خلاف في لزوم الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي إلا من بعض الأصحاب.
والجواب: إن العقل وإن استقل بذلك، إلا أنه إذا لم ينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي، وقد انحل هاهنا، فإنه كما علم بوجود تكاليف إجمالا، كذلك علم إجمالا بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة أو أزيد، وحينئذ لا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية في الموارد المثبتة من الطرق والأصول العملية.