الامر الخامس: هل تنجز التكليف بالقطع - كما يقتضي موافقته عملا - يقتضي موافقته التزاما، والتسليم له اعتقادا وانقيادا؟ كما هو اللازم في الأصول الدينية والأمور الاعتقادية، بحيث كان له امتثالان وطاعتان، إحداهما بحسب القلب والجنان، والأخرى بحسب العمل بالأركان، فيستحق العقوبة على عدم الموافقة التزاما ولو مع الموافقة عملا، أو لا يقتضي؟ فلا يستحق العقوبة عليه، بل إنما يستحقها على المخالفة العملية.
الحق هو الثاني، لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان بذلك، واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيده إلا المثوبة دون العقوبة، ولو لم يكن متسلما وملتزما به ومعتقدا ومنقادا له، وإن كان ذلك يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيده، لعدم اتصافه بما يليق أن يتصف العبد به من الاعتقاد بأحكام مولاه والانقياد لها، وهذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لامره أو نهيه التزاما مع موافقته عملا، كما لا يخفى.
ثم لا يذهب عليك، إنه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية، لو كان المكلف متمكنا منها لوجب، ولو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا، ولا يحرم المخالفة القطعية عليه كذلك أيضا لامتناعهما، كما إذا علم إجمالا بوجوب شئ أو حرمته، للتمكن من الالتزام بما هو الثابت واقعا، والانقياد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثابت، وإن لم يعلم أنه الوجوب أو الحرمة.
وإن أبيت إلا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه، لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة، ولما وجب عليه الالتزام بواحد قطعا، فإن محذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس بأقل من محذور عدم الالتزام به بداهة، مع ضرورة أن التكليف لو قيل باقتضائه للالتزام لم يكد يقتضي إلا الالتزام بنفسه عينا، لا الالتزام به أو بضده تخييرا.
ومن هنا قد انقدح أنه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع عن إجراء الأصول