غير أن يكون غرضه في الحقيقة طلب صدور الفعل عن المكلف، بل غرضه صدور نفس التكليف، فيكون الصادر عنه حقيقة هو صورة التكليف لا حقيقته؟ قال:
وكلمات القوم مشوشة هنا جدا، بعضها يوافق الأول وبعضها الثاني.
أقول: ستعرف - إن شاء الله - بعد تقرير مناط البحث في المسألة أنه لا تشويش في كلمات القوم، وأن محل الخلاف في المقام إنما هو الوجه الأول، وأن الوجه الثاني خارج عن محل النزاع في المقام، وأنه لا خلاف فيه ظاهرا إلا من نادر، كما سنشير إليه.
ثم أقول: إنه لا خلاف لأحد في جواز تعلق التكليف الظاهري الحاصل بملاحظة الأدلة الشرعية والقواعد المقررة في الشريعة مع علمه تعالى بانتفاء شرط التكليف بحسب الواقع، سواء كان ذلك بنضر الشارع وبيانه، أو بحكم العقل من جهة وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل، ولا نزاع في وقوع التكليف على الوجه المذكور وارتفاعه عن المكلف عند ظهور انتفاء الشرط، كيف؟ وبناء الشريعة على ذلك، فإن المرأة مكلفة بالصوم في أول النهار وإن حاضت وقت الظهر مثلا، وذلك تكليف ظاهري لها بالصوم يرتفع عند ظهور المانع، ولذا تكون عاصية قطعا بالإفطار قبل ظهور المانع، وهكذا الحال في غيرها من المكلفين إذا ظهر منهم انتفاء الشرط في الأثناء، فيكشف ذلك من عدم تعلق التكليف بحسب الواقع عند القائلين بالامتناع في المقام، بخلاف القائل بالجواز إذ يمكنه القول بحصول التكليف أولا بحسب الواقع أيضا وارتفاعه عند انتفاء الشرط، فيكون التكليف المفروض واقعيا عنده أيضا.
ولا يتوهم في ذلك لزوم الإغراء بالجهل، إذ ليس بناء التكليف فيه إلا على كونه ظاهريا محتملا لمطابقته للواقع، وعدمه، بخلاف الوجه الثاني من الوجهين المتقدمين، لظهور التكليف في إرادة الواقع فيتوهم لزوم الإغراء بالجهل، كما سنشير إليه. وليس وقوع التكليف على الوجه المذكور بسبب حصول التكليف مع علم الآمر بانتفاء شرطه، فإن التكليف الظاهري ليس مشروطا بنفس الشرط