وأما تعلق خطاب آخر بحكم آخر مماثل للحكم الأول فيما بعد الغاية بسبب آخر فيظهر من جماعة دعوى خروجه عن مقتضى المفهوم المذكور، وتجويزه على كلا القولين، إلا أنه مدفوع بالأصل، ولذلك نص بعضهم على أنه لا مانع من ورود خطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق إجماعا، والمقصود: نفي المنافاة بين الخطابين بحسب معناهما الحقيقي من غير لزوم تجوز ولا نسخ، وذلك لأن الحكم المستند إلى الخطاب الأول مغاير للحكم المستند إلى الثاني، وإن ماثله فهو موجود حال عدم الأول.
وأنت خبير بأن المنكر للمفهوم يقول بأنه لو تحقق فيما بعد الغاية مثل الحكم الأول لكان حكما آخر غير الأول، لوضوح أن الأول لا يتجاوز عن حده ومورده بالضرورة، فيكون الثاني مماثلا للأول بعد انقطاعه، فلا يكون في الغاية دلالة على مخالفة حكم ما بعدها لما قبلها كما يدعيه القائل بثبوت المفهوم، وإنما يدل على انتهاء نفس الحكم الأول عندها، وهو أمر بديهي لا ينكره أحد من الفريقين.
فهناك فرق بين بين القول بانقطاع الحكم الأول وانتفائه فيما بعد الغاية، والقول بمخالفة ما بعدها لما قبلها في الحكم الأول. والأول مسلم بين الكل، فيكون النزاع في الثاني، كما هو ظاهر من ملاحظة تعبير المصنف وغيره عن محل المسألة بذلك.
وقد يقال: إنه ليس المقصود من القول بمخالفة ما بعد الغاية لما قبلها انتفاء المماثل وإثبات الحكم المخالف في الجنس وإن أوهمه ظاهر التعبير، بل المقصود:
أن التقييد بالغاية يدل على عدم بقاء الحكم الأول فيما بعدها بحسب الواقع وانقطاعه في نفس الأمر، والنافي يقول بعدم الدلالة على ذلك، فيمكن أن يكون الحكم مستمرا في الواقع والطلب باقيا في نفس الأمر، إلا أنه لم يتعرض لبيانه في ذلك الخطاب. وتوضيحه: أن الحكم السابق له اعتبارات ثلاثة:
أحدها: اعتباره على ما هو عليه مقيدا بغايته، وهو مما لا يعقل بقاؤه فيما بعدها، ونحوه الحال في سائر القيود الواقعة في الكلام، أوصافا كانت أو ألقابا أو غيرها، لأن انتفاء الحكم المقيد بها في غير موردها ضروري.