المقدمة فلا محال يكون الواجب المتوقف عليها مقدورا أيضا، إذ لا باعث على انتفاء القدرة عليه من وجه آخر، كما هو المفروض في محل البحث.
وقد تحقق أن عدم الإقدام على إيجاد المقدمة لا يجعلها خارجة عن القدرة فمن أين يجئ التكليف بالمحال؟ كيف وقد اعترف المستدل بحصول القدرة على الواجب مع البناء على وجوب مقدمته؟ فكيف لا يكون مقدورا مع البناء على عدم وجوبها؟ وتأثير الإيجاب في القدرة غير معقول، بل لا يتعلق الإيجاب بالفعل إلا بعد مقدوريته، فالقول بكون التكليف بالفعل حينئذ من قبيل التكليف بغير المقدور واضح الفساد.
وقد يقرر الجواب المذكور بوجه آخر بأن يقال: بعد اختيار الشق الأول من الترديد أن الممتنع هو الإتيان بذي المقدمة بشرط انتفاء مقدمته لا في حال عدمها ألا ترى أن الكافر مكلف بالعبادات الشرعية في حال الكفر لا بشرط اتصافه به وكذا المحدث مكلف بالصلاة في حال كونه محدثا لا بشرط كونه محدثا.
ويرد عليه على كل من التقريرين: أن ترك المقدمة قد يفضي إلى امتناعها كما إذا ترك الذهاب إلى الحج مع الرفقة الأخيرة أو كان الماء منحصرا عنده في معين فأتلفه فإن ترك المقدمة حينئذ قاض بامتناعها ويتفرع عليه حينئذ امتناع ما يتوقف عليها. فإن أراد بقوله: " إن المقدور كيف يكون ممتنعا " أن المقدور حال كونه مقدورا لا يعقل أن يكون ممتنعا فمسلم وليس الكلام فيه، وإن أراد أن المقدور لا يمكن أن يطرأه الامتناع فهو واضح الفساد.
قوله: * (وتأثير الإيجاب في القدرة غير معقول) *.
يعني: أن تأثير إيجاب المقدمة في القدرة عليها ليكون ذلك باعثا على القدرة على ما يتوقف عليها أو أن تأثير إيجاب المقدمة في القدرة على ما يتوقف عليها غير معقول، ويجري الوجهان في قوله: " إن المقدور كيف يكون ممتنعا " فإنه يمكن أن يريد به المقدمة المقدورة كما يشعر به قوله: " والبحث إنما هو في المقدور " لما قيد به عنوان البحث ولما ادعى المستدل امتناع ذي المقدمة حال