ومنها: أنه لو وجبت المقدمة لتحقق العصيان بتركها والتالي باطل، لتعلق العصيان بترك ذي المقدمة خاصة.
وجوابه واضح فإنه إن أريد به لزوم العصيان بتركها لذاتها فالملازمة ممنوعة، والسند ظاهر مما مر فإن ذلك من خواص الواجب النفسي ولا يمكن تحققه في الواجب الغيري، وإن أريد به تحقق العصيان ولو من حيث أدائها إلى ترك غيرها فالملازمة مسلمة لكن بطلان التالي ممنوع، لوضوح ترتب العصيان على ترك المقدمة على الوجه المذكور.
ومنها: أنه لو وجبت المقدمة لثبت قول الكعبي بانتفاء المباح، وفساد التالي ظاهر، أما الملازمة فلأن ترك الحرام واجب وهو لا يتم إلا بفعل من الأفعال، لعدم خلو المكلف عن فعل، والمفروض وجوب ما لا يتم الواجب إلا به فيكون تلك الأفعال واجبة على سبيل التخيير.
وجوابه: أن اندفاع شبهة الكعبي غير متوقف على نفي وجوب المقدمة، بل هي ضعيفة على القول بوجوبها أيضا كما سيجئ الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
ومنها: أنه لو كانت المقدمة واجبة لوجب فيها النية، لوجوب امتثال الواجبات ولا يتحقق ذلك إلا بقصد الطاعة، والتالي باطل بالإجماع.
ووهنه واضح، فإنه إن كانت المقدمة عبادة - كالوضوء والغسل أو العبادة المتكررة لأجل تحصيل العلم الواجب كما في الصلاة في الثوبين المشتبهين - فلا إشكال في وجوب النية، فبطلان التالي واضح البطلان، وإن لم تكن عبادة فالملازمة المذكورة ظاهر الفساد، لعدم وجوب النية في غير العبادة، إذ ليس المقصود منه إلا حصول الفعل لا خصوص الطاعة والانقياد، كما هو قضية إطلاق الأمر، فإنه إنما يفيد وجوب أداء متعلقه والإتيان به لا خصوص الطاعة المتوقفة على النية، غاية الأمر أن لا يترتب عليه ثواب من دونها.
ومنها: أنه لو وجبت المقدمة لكان تارك الوضوء على شاطئ النهر مستحقا لعقوبة واحدة وإذا كان بعيدا عن الماء مستحقا لعقوبات متعددة كثيرة على حسب تعدد المقدمات الموصلة إلى الماء، مع أن الاعتبار قاض بعكسه.