ولا يصحح ذلك حسن التكليف مع امتناع الفعل، فإن إيراد التكليف المفروض على المكلف من دون ورود تقصير منه ظلم عليه.
نعم لو كان ذلك متفرعا على عصيانه وسوء اختياره صح ذلك، إذ ليس وروده عليه حينئذ من قبل الآمر، فنفي التفرقة بين الوجهين حسب ما رامه الفاضل المذكور غير متجه.
فإن قلت: قد مر أن القائل بنفي وجوب المقدمة قد يلتزم بوجوبها بالعرض من جهة اتصاف ما لا ينفك عنها بالوجوب، وحينئذ فالإقدام على تركها مع وجوبها كذلك كاف في انتفاء القبح عن بقاء التكليف بذيها.
قلت: قد عرفت أن الحكم بوجوبها على الوجه المذكور ليس قولا بوجوبها حقيقة ولو لأجل الغير وإنما هو اتصاف لها بالوجوب على سبيل المجاز حسب ما مر تفصيل القول فيه، فلا يثمر شيئا في المقام، إذ لا يتحقق بسببه سوء اختيار من المكلف ليحسن من جهته إلزامه بالمحال فتأمل، مضافا إلى عدم اشتماله على ما جعله غاية التكليف من الابتلاء والاختبار، إذ لا يعقل حصوله بعد علم الآمر والمأمور بامتناع الفعل فيكون التكليف به عبثا خاليا عن الفائدة.
قوله: * (وأيضا فإن العقلاء لا يرتابون... الخ) *.
أراد بذلك ترتب استحقاق الذم على ترك المقدمة وإن لم يكن الذم من جهة تركها في نفسها وإلا لكان وجوبها نفسيا وهو خلاف المدعى، فالمقصود ترتب الذم على تركها من حيث أدائها إلى ترك ذيها، وورود الذم عليه على الوجه المذكور مما لا مجال للريب فيه، ومقتضاه ثبوت الوجوب الغيري، كما هو الحال فيما تعلق به صريح الأمر من الواجبات الغيرية، فإن الذم الوارد هناك أيضا إنما هو من جهة أدائها إلى ترك الغير لا على ترك نفسها كما مرت الإشارة إليه.
والحاصل: أن ترك المقدمة سبب لاستحقاق الذم لكن لا على تركها بل لأدائها إلى ترك غيرها وبه يثبت المدعى، ولا فرق في ذلك بين ما يكون زمان إيقاع المقدمة متقدما على الزمان الذي يصح فيه الفعل - كما في قطع المسافة من