سببه أو اتحد، كما مر بيانه، فلو لم يكن هناك ما يظهر منه تعدد التكليف سوى تعدد السبب كان استفادة تعدد التكليف منه بمجرده محل تأمل، بل الظاهر عدمه.
ألا ترى أنه لو قيل: " إن البول سبب لوجوب الوضوء والريح سبب لوجوبه لم يفهم من اللفظ وجوب وضوءين عند عروض الأمرين إذا احتمل أن يكون كل منهما سببا لوجوبه في الجملة حتى أنهما إذا اجتمعا لم يكن هناك إلا وجوب واحد، وكذا الحال لو قيل: " إن إدخال الحشفة سبب لوجوب الغسل والإنزال سبب لوجوبه ".
وقد يناقش في العبارة المذكورة أيضا بأن ظاهر لفظ السبب يقتضي فعلية التسبيب، وهو لا يجامع كونهما سببين لمسبب واحد، إذ مع اجتماعهما لا يكون السببية إلا لأحدهما ويكون الآخر سببا بالقوة، وهو خلاف ظاهر اللفظ القاضي بسببية كل منهما فعلا.
ويدفعه أن السببية الشرعية لا ينافي عدم فعلية التأثير لصدق السببية الشرعية مع شأنية التأثير قطعا، بل مراعاة التأثير غير معتبرة في الأسباب الشرعية من أصلها، ولذا لم يكن هناك مانع من اجتماعهما على سبب واحد، كما هو ظاهر من ملاحظة مواردها، ومنها المثالين المذكورين.
ودعوى كون إطلاق السبب منصرفا إلى ما يكون مؤثرا بالفعل محل منع أيضا.
على أنه لا يجري ذلك فيما لو عبر عن السببية المفروضة بلفظ آخر خال عما ادعي من الظهور.
وبما ذكرنا يظهر الجواب عن الخامس أيضا، فإن الأسباب الشرعية ليست بمؤثرات حقيقية في الغالب، كما نص عليه المستدل (قدس سره) في أول كلامه وإنما هي كاشفة في الغالب عن المؤثرات، فما ذكر في الاحتجاج من أن الثابت بالسبب الثاني لا بد أن يكون مغايرا للمطلوب الأول - ضرورة تأخر المسبب عن سببه - ليس على ما ينبغي، إذ لا مانع من كون السبب الثاني كاشفا عن المسبب الأول أيضا، وأيضا قد يكون مسببه تكليفا آخر متعلقا بالفعل الأول فيتأكد جهة التكليف به من غير حاجة إلى تكراره.