وإن ظهر كون كل منها سببا للأمر فلا كلام أيضا في تعدد التكاليف، ويقضي ذلك إذن بتعدد المكلف به وتعدد الأداء على التفصيل الذي بيناه.
وإن لم يظهر شئ من الأمرين وشك في كونها أسبابا لأمر واحد أو أوامر متعددة يتوقف الفراغ منها على تكرار الفعل على حسبها فهل يبنى على الأول أو الثاني؟ وجهان، أظهرهما الأول، أخذا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض، وما يتمسك به في مقابلة الأصل مدفوع بما سيأتي بيانه.
وظاهر بعض أعاظم الأعلام: أن الأصل تعدد المسببات عند تعدد الأسباب مطلقا واحتج له بوجوه:
منها: أنه مما اتفق عليه الأصحاب وعليه يدور رحى الفقه في كل باب ولم يخالف فيه سوى جماعة من المتأخرين، وقد استند اليه الفقهاء الأثبات وأرسلوه إرسال المسلمات وسلكوا به سبيل المعلومات ولم يخرجوا عنه إلا لدليل واضح أو اعتبار لايح، كما يدل عليه ملاحظة المقامات التي قالوا بالتداخل فيها.
ومنها: استقراء الشرعيات في أبواب العبادات والمعاملات، فإن المدار فيها على تعدد المسببات عند تعدد الأسباب عدا نزر قليل، مستندا إلى ما قام عليه من الدليل، وهو من قبيل الاستدلال بالنصوص المتفرقة الواردة في الجزئيات على ثبوت القاعدة، وليس من الاستناد إلى مطلق الظن ولا القياس في شئ.
ومنها: أن اختلاف المسببات إما أن يكون بالذات كالصوم والصلاة والحج والزكاة ولا كلام فيه، أو بالاعتبار كصلاة الفجر أداء وقضاء، والاختلاف في الثاني ليس إلا لاختلاف النسبة والإضافة إلى السبب، فإن صلاة ركعتين بعد الفجر لمن عليه صبح فائتة صالحة لها وللحاضرة وإنما تختلف وتتعدد باعتبار نسبتها إلى دخول الوقت وخروجه، ومثل ذلك حاصل في كل ما ينبغي فيه التداخل، إذ المفروض فيه اختلاف الأسباب التي يختلف بها النسب واختلاف النسبة متى كان مقتضيا للتعدد في شئ كان مقتضيا له في غيره، لأن المعنى المقتضي للتعدد حاصل في الجميع قائم في الكل.