ألا ترى أنه قد يكون ما يأمره به على سبيل الإرشاد مبغوضا عنده ولا يريد حصوله أصلا، كما إذا استشاره أحد في إكرام زيد أو عمرو، وهو يبغضهما ويريد إهانتهما ومع ذلك إذا كانت مصلحة المستشير في إكرام زيد مثلا يقول له: " أكرم زيدا " مريدا بذلك إظهار المصلحة المترتبة عليه من غير أن يكون هناك اقتضاء منه للإكرام، بل قد يصرح بأنه لا يحب إكرامه ويبغض الإتيان به.
وهذا بخلاف الندب لحصول الاقتضاء هناك قطعا، إلا أنه غير بالغ إلى حد الحتم من غير فرق بين ما يكون السبب فيه المصلحة الدنيوية أو الأخروية، كما أنه لا فرق في الإرشاد بين ما إذا كان الغرض إبداء المصلحة الدنيوية أو الأخروية، كيف! ولولا ما قلنا لم يكن ندب في أغلب الأوامر العرفية، لعدم ابتنائها على المصالح الأخروية في الغالب.
ومع الغض عن جميع ما ذكر فقد يكون المصلحة الدنيوية المتفرعة على الفعل عائدة إلى غير المأمور وليس ذلك إذن من الإرشاد، فلا يتم ما ذكر من الفرق إلا أن يخصص ما ذكر من التفصيل بالمصلحة العائدة إلى المأمور، وهو كما ترى.
هذا، وقد ذهب إلى وضع الأمر بإزاء الطلب جماعة من أصحابنا منهم السيد العميدي، وجماعة من العامة منهم الجويني والخطيب القزويني وبعض الحنفية على ما حكي عنهم، وهو المختار كما سنبين الوجه فيه إن شاء الله.
إلا أن الأوامر المطلقة مطلقا محمولة على الوجوب، لانصراف مطلق الطلب اليه عرفا إلا أن يقوم دليل على الإذن في الترك، وكأنه لانصراف المطلق إلى الكامل، واختاره صاحب الوافية أيضا، إلا أنه ذهب إلى حمل الأوامر الشرعية كتابا وسنة على الوجوب لا لدلالة الصيغة عليه، بل لقيام قرائن عامة شرعا عليه، وإليه ذهب العلامة في النهاية بحسب وضع اللغة وجعلها موضوعة في الشرع لخصوص الوجوب.
قوله: * (وذهب السيد المرتضى إلى أنها مشتركة بين الوجوب والندب) * وقد تبعه فيما فصله السيد ابن زهرة، وقد ذهب إلى اشتراكه لفظا بين المعنيين