ثم نقول: إن الإسناد إلى فاعل ما من المعاني المأخوذة في أوضاع الأفعال بملاحظة الهيئات الطارئة على موادها، وذلك الإسناد قد يلحظ فيها على النحو الحاصل في سائر الإخبارات، بأن يفيد انتساب الحدث المدلول عليه إلى غيره بحسب الواقع، وقد يلحظ على سبيل الانشاء بأن يعتبر في نسبة ذلك الحدث إلى ما أسند اليه ما يحصل معه تلك النسبة بمحض إسناده اليه، فيقع الانتساب بينهما بمجرد الإسناد من غير أن يكون بيانا لنسبة حاصلة في الواقع، نظير قولك: " ليت زيدا قائم " فإنك قد أسندت القيام إلى زيد لا على أنه حال له في الواقع، كما في:
" زيد قائم " بل على أن تلك الحال حالة متمنية له، وإسناده اليه على سبيل التمني حاصل بنفس ذلك الإسناد، وكذا الحال في مدلول الأمر فإنه يفيد إسناد مدلوله الحدثي إلى فاعله من حيث كونه مطلوبا مرادا حصوله منه حسب ما عرفت، فإرادة النسبة المذكورة في هذه المقامات مفيدة لحصولها موجدة لها بخلاف النسبة الحاصلة في الاخبارات.
فظهر بما قررناه أن الفرق بين الإنشاءات والإخبارات إنما هو بملاحظة النسبة والإسناد، ومنه يتبين الجواب عن الإيراد الرابع.
وأنت إذا تأملت فيما قررناه عرفت أن مفاد قولهم: " إن الأمر للوجوب أو الإيجاب " أمر واحد لا فارق بينهما بحسب الحقيقة، فإن المقصود منه هو إفادة ما بيناه، وذلك المفهوم لما اخذ واسطة في انتساب الحدث إلى فاعله ومرآة لملاحظة حال ذلك المنسوب - بالنظر إلى ما نسب اليه إن لوحظ بالنسبة إلى ذلك الحدث سمي وجوبا ويوصف معه الفعل بالوجوب، وإن لوحظ بالنسبة إلى الآمر من حيث صدوره عنه ووقعه بإيقاعه سمي إيجابا وتكليفا بمعناه الحدثي - فيصح التعبير بكلا الوجهين من غير تكلف، ولذا قد يعبرون عنه بالأول وقد يعبرون عنه بالثاني من غير بنائهم على اختلاف في ذلك، وفسروا الوجوب بطلب الفعل مع المنع من الترك، مع أنه تفسير للإيجاب في الحقيقة.
فما ذكره بعض المتأخرين: من تغاير الأمرين بحسب الحقيقة وأن ما ذكر