فالخطاب اللفظي دليل عليه بحسب الاصطلاح، إذ كما يدل اللفظ على مدلوله الخارجي يدل على كونه مطابقا لما في نفس المتكلم، فينتظم في المقام قياس بهذه الصورة: هذا ما دل الخطاب اللفظي على قيامه بالذات الأزلية، وكل ما دل عليه خطابه اللفظي فهو مطابق للحقيقة، فينتج أن خطابه النفسي هو ذلك.
وقد علل (رحمه الله) في الحاشية عدم كون الخطاب اللفظي دليلا على الخطاب النفسي بحسب الاصطلاح بأنه: لابد في الدليل الاصطلاحي من تصور المدلول قبل الدليل والعلم به على سبيل الاجمال، وهو غير حاصل في المقام، إذ الخطابات النفسية إنما تعلم بعد ملاحظة الخطابات اللفظية من غير علم بها قبل ذلك أصلا لا إجمالا ولا تفصيلا.
وأنت خبير بعدم وضوح ما ذكره من الدعويين، إذ لا يلزم تقدم العلم الاجمالي بالمدلول على الدليل مطلقا حتى يكون ذلك من لوازم الدليل بالمعنى المصطلح، بل قد يكون العلم به مطلقا متأخرا عن الدليل، كما إذا حصل الانتقال إلى النار بعد ملاحظة الدخان، غاية الأمر أنه مسبوق في المثال بمعرفة الملازمة بين مطلق الدخان والنار وهو شئ آخر.
نعم، ما ذكره (رحمه الله) من لوازم الاستدلال، وأيضا لا مانع من تقدم العلم بالخطابات النفسية إجمالا على معرفة الخطابات اللفظية التفصيلية، كيف! وثبوت الأحكام على سبيل الاجمال من ضروريات الدين، كما أشار إليه في الجواب المختار عنده، وذلك عندهم هو العلم بالخطابات النفسية على الاجمال، وهو متقدم في المعرفة على العلم بالخطابات اللفظية، وهو ظاهر.
هذا، وقد أجاب الفاضل المذكور عن أصل الإيراد بحمل الأحكام على الأحكام الإجمالية التي دلت على ثبوتها الضرورة، قال: والمراد من الأدلة الخطابات التفصيلية، فيكون الفرق بين المدلول والدليل بالإجمال والتفصيل.
قلت: وأنت خبير بما فيه، إذ لا محصل لما ذكره من التفرقة، فإن من البين أن المجهول في المقام إنما هي الخطابات التفصيلية وهي التي يتوقف إثباتها على