تعلم المسألة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) على سبيل المشافهة عالما بالفقه، وهو واضح الفساد كما أشرنا إليه، بل لما كان المقصود في الفقه بيان الأحكام التي قررها صاحب الشريعة وكان ثبوت بعض تلك الأحكام عنه معلوما عند الخواص والعوام من دون حاجة في إثباته إلى البيان وإقامة البرهان بل كان العالم والعامي في معرفته سيان أخرجوه عن مسمى الفقه، إذ لا حاجة في إثباته إلى الاستدلال، بخلاف سائر الضروريات، لحصول الحاجة في إثباتها إلى الدليل ولو بالنسبة إلى البعض، فثبوت تلك المسائل عن صاحب الشريعة نظرية في الجملة، بخلاف هذه.
ولما كان المنظور في علم الفقه إثبات الأحكام المقررة عن صاحب الشريعة من حيث تقررها عنه وإن كان ثبوتها الواقعي واعتقاد صحتها موقوفا على صحة الشريعة، ولذا عد الكلام من مبادئه التصديقية - كما سيجئ الإشارة إليه إن شاء الله تعالى - كان اخراج الضروريات المذكورة مناسبا، إذ ليست مسائل الفنون المدونة إلا عبارة عن المطالب النظرية المثبتة فيها دون الأحكام الضرورية، فكما أن الضروريات خارجة عن مسائل سائر الفنون المدونة فكذا هذا العلم.
وبذلك يظهر ضعف ما حكاه الفاضل المذكور عن الأخباريين في الرد على المجتهدين من أن ما ذكروه إنما يتم على طريقة الحكماء والمتكلمين، حيث إن تدوين المسائل البديهية في باب التعليم والتعلم غير مستحسن، والفقهاء ظنوا أن ذلك الباعث جار هنا، وليس كذلك، لأنه ليس شئ من الأحكام الشرعية بديهيا بمعنى أنه لا يحتاج إلى الدليل، والسبب في ذلك أنها كلها محتاجة إلى السماع من صاحب الشريعة، ووضوح الدليل لا يستلزم بداهة المدعى، وذلك لما عرفت من أن المقصد في الفقه إنما هو إثبات الأحكام عن صاحب الشريعة، ولما كان ورود بعض الأحكام عنه ضروريا عند الأمة كان بمنزلة سائر الضروريات المخرجة عن سائر العلوم، إذ لا حاجة في إثباتها عن صاحب الشريعة إلى إقامة حجة. فما توهموه من الفرق بين المقامين غير متجه، وبلوغ بعضها إلى حد الضرورة المذكورة في أواسط الاسلام لا يمنع منه، إذ لا مانع من خروجه بعد ذلك عن الفقه