وإن أراد به وضعها للأمور الذهنية من حيث كونها مرآة للخارج فمع بعده عن التعبير المذكور أنه بعينه مراد القائل بوضعها للأمور الذهنية، لظهور فساد القول بكونها موضوعة بإزاء الأمور الذهنية من حيث حصولها في الذهن، ولا مجال لذهاب أحد اليه حسب ما مر بيانه، فيكون ذلك إذن تسليما لكلام المستدل وإرجاعا للقول الآخر اليه.
الثاني: أنه يجوز أن يكون لفظ الانسان والشجر والحجر موضوعا للإنسان والشجر والحجر الخارجي، إلا أن المتكلم لما ظن الشبح إنسانا في الخارج أطلق عليه ما هو موضوع له ثم لما ظنه شجرا أطلق عليه اسمه... وهكذا، فإطلاق اللفظ ليس إلا باعتبار كون الموضوع له هو الأمر الخارجي.
وفيه أن ذلك لا يصحح الاستعمال، إذ غاية الأمر أن يكون المستعمل معذورا في إطلاقه نظرا إلى ظنه، وأما بعد الانكشاف فلا بد من الحكم بكون الاستعمال غلطا، وملاحظة حدي الحقيقة والمجاز تنادي به، لعدم اندراجه في شئ منهما، ومن البين انحصار الاستعمال الصحيح فيهما، مع أنه من الواضح أيضا خلافه، إذ ليس شئ من تلك الإطلاقات غلطا بحسب اللغة.
الثالث: أنه لو تم ذلك لقضي بنفي الوضع للصور الذهنية أيضا، إذ على هذا القول تكون الألفاظ موضوعة بإزاء الصور الذهنية المطابقة لذيها بحسب الواقع، كما أن القائل بوضعها للأمور الخارجية يريد بها الأمور الخارجية المطابقة للواقع، فحينئذ ينبغي أن لا يطلق اللفظ إلا على الصورة الواحدة المطابقة دون غيرها، والبناء على اعتبار المطابقة في الثاني دون الأول تحكم بل فاسد، إذ لا داعي للفرق.
وأنت خبير بما فيه، إذ من البين أن القائل بوضعها للأمور الخارجية لا يحتاج إلى اعتبار المطابقة، ضرورة كون الشئ الخارجي هو نفس الواقع، وكذا القائل بوضعها للأمور الذهنية بالنسبة إلى مطابقتها لما في الذهن، إذ ليس الأمر الذهني إلا الشئ الحاصل في الذهن، فلا مغايرة في المقامين حتى يعتبر المطابقة.