فالتحقيق في الجواب أن يقال: إن القائل بوضع الألفاظ للأمور الخارجية إنما يقول بوضعها لها على حسب نفس الأمر، ضرورة مطابقة الخارج لنفس الأمر، لكن من الظاهر أنه لا بد في استعمال الألفاظ في تلك المعاني وإطلاقها بحسب الموارد من طريق إلى معرفتها حتى يستعمل الألفاظ فيها ويصح إطلاقها على مصاديقها.
وحينئذ فنقول: إن إطلاق الألفاظ المذكورة على الشبح المرئي من البعيد إما أن يكون على سبيل الحمل - كأن يقول: هذا شجر، أو حجر ونحو ذلك - أو باستعمالها في خصوص ذلك - بأن يقول: هذا الشجر كذا، أو هذا الحجر كذا - وهكذا.
أما على الأول فمن البين أنه ليس المستعمل فيه لتلك الألفاظ إلا معانيها الخارجية، غاية الأمر أنه مع عدم المطابقة يلزم كذب ذلك الحكم وعدم مطابقته للواقع من غير لزوم غلط في الاستعمال، وحصول الكذب حينئذ مما لا مجال لإنكاره بناء على المشهور في تفسير الصدق والكذب، ومنه يظهر وجه آخر لضعف الإيراد الأول، إذ بناء على ما ذكر لا كذب في تلك الإخبار، لكونه حجرا في اعتقاده وكذا شجرا أو إنسانا فذلك إنما يوافق مذهب النظام دون ما هو المشهور.
وأما على الثاني فليس استعمال تلك الألفاظ إلا في معانيها الحقيقية، إذ لم يرد بالشجر والحجر والإنسان إلا معانيها الخارجية وإنما أطلقها على الشئ المفروض من جهة اعتقاد مطابقته لها وكونه فردا لذلك المعنى وحصول تلك الطبيعة في ضمنه، فالمستعمل فيه اللفظ هو معناه الكلي الخارجي - أعني الطبيعة اللابشرط - وإطلاقه على ذلك الفرد من جهة اعتقاد إنطباقها معه واتحادها به، فبعد انكشاف الخلاف وظهور عدم المطابقة لا يلزم كون ذلك الاستعمال غلطا، لوضوح استعماله فيما وضع له، غاية الأمر ظهور كون استعماله في ذلك المعنى في غير محله، لعدم انطباق ما أطلق عليه لتلك الطبيعة التي استعمل اللفظ فيها، وليس ذلك من قبيل استعمال الشجر في الحجر مثلا حتى يرد ذلك فلا دلالة في الدوران