المفاهيم من حيث كونها عنوانات لمصاديقها قد وضع الألفاظ بإزائها من غير فرق بين الصور المذكورة أصلا، ويدل على ذلك وجوه:
أحدها: أن المتبادر من الألفاظ عند التجرد عن القرائن هو ذلك، إذ لا ينساق منها إلى الذهن إلا نفس المفاهيم على النحو المذكور، مع قطع النظر عن وجودها في الذهن أو الخارج، ولا أخذها بحيث يشمل تصوراتها الذهنية، بل انما ينصرف إلى تلك المفاهيم من حيث كونها عناوين لمصاديقها، فليس حصول تلك المفاهيم في الذهن إلا من جهة كونه آلة لملاحظة ما عين اللفظ بإزائه ومرآة لمعرفته، فهي من حيث حصولها عند العقل مرآة لملاحظتها في نفسها من حيث كونها عنوانا لمصاديقها، وهي بالحيثية الثانية قد وضع اللفظ لها إلا أن حصولها في الذهن إنما يكون على الوجه الأول.
ثانيها: أنا نجد مفاد الألفاظ والمفهوم منها في العرف قابلا للحكم عليه بالوجود الذهني أو الخارجي، على حسب اختلاف المفاهيم في قبول الوجود غير متحقق الحصول بالوجود اللائق به، ولذا يصح حمل المعدوم عليها من غير تناقض ولا لزوم تجوز، ولو كان الوجود مأخوذا فيه شرطا أو شطرا لما صح ذلك، فإذا انضم إلى ذلك صحة سلب المعنى المفهوم من تلك الأسامي بحسب العرف عن صورها الذهنية وتصوراتها الحاصلة عند العقل - كما هو واضح بعد ملاحظة العرف ولو بالنسبة إلى الأمور الذهنية فإن تصور العقل لها غير حصولها في العقل - دل ذلك على عدم وضعها للصور الذهنية ولا للمفاهيم على النحو الأعم بحيث يشمل تلك الصور أيضا، وحيث عرفت أن الحقائق التي يراد الانتقال إليها من تلك الألفاظ قد تكون أمورا خارجية وقد تكون غيرها فلا وجه للقول بملاحظة خصوص الوجود الخارجي في وضعها، فتعين القول بوضعها للمفاهيم على النحو الذي ذكرنا.
فإن قلت: كما أنه يصح ما ذكر مع كون الألفاظ موضوعة بإزاء المفاهيم على الوجه المذكور كذا يصح لو قيل بكونها موضوعة لنفس الصور من حيث كونها