حجة القول بتقديم الاشتراك وجوه:
أحدها: أن الظاهر من الاستعمال كون ما استعمل اللفظ فيه حقيقة، فإن الحقيقة هي الأصل والمجاز طار عليها تابع لها، ومبنى اللغة على حصول التفاهم بواسطة أوضاع الحقائق وإنما رخص الواضع في استعمال المجازات من جهة التوسعة في اللسان ولنكات خاصة متفرعة على المجاز، وأما معظم الفائدة المترتبة على وضع اللغات فإنما يترتب على الحقائق، ولذا ترى معظم المخاطبات مبنية على استعمال الحقائق حتى في كلام البلغاء، فإنه وإن كان استعمال المجازات والكنايات في ألسنتهم أكثر من الموارد في كلمات غيرهم لكنها ليست بأكثر من الحقائق المستعملة في كلامهم، كما يشهد به ملاحظة الأشعار والخطب والرسائل وغيرها، فكيف سائر المخاطبات الواقعة من سائر الناس؟ فإن استعمال المجازات فيها أقل قليل بالنسبة إلى الحقائق وحينئذ فظاهر الاستعمال هو الحقيقة حتى يتبين المخرج عنه.
وأيضا لا كلام في كون الأصل في الاستعمال هو الحمل على الحقيقة إذا تميز المعنى الحقيقي عن المجازي ولم يعلم المراد، والسبب الداعي هناك بعينه داع في المقام، إذ ليس الباعث هناك على الحمل على الحقيقة إلا ظاهر الاستعمال وهو أيضا حاصل في المقام.
والفرق بين المقامين بكون الموضوع له معلوما هناك وحصول الشك في المراد وكون الأمر هنا بالعكس لا يصلح فارقا في المقام، إذ لو كان ظاهر الاستعمال قاضيا بإرادة الحقيقة قضى بها في كل ما يحتمل ذلك، وكما يقضي بالحكم بإرادة الحقيقة مع عدم قيام قرينة عليها إذا لم يقم دليل على خلافه فكذا يقضي بكون المستعمل فيه هو الحقيقة حتى يقوم دليل على عدمها.
وأيضا فاستعمال اللفظ في المعنى بمنزلة حمل ذلك المعنى عليه، فإن استعمال " الأسد " في الحيوان المفترس بمنزلة أن يقال: " الأسد الحيوان المفترس " فكما أنه إذا ورد نحو تلك العبارة في كلام من يعتد بقوله يفيد كون اللفظ حقيقة في ذلك كذا ما هو بمنزلته.