شدة الحاجة إليها وكثرة دورانها حسب ما ذكرنا ليسهل التعبير عنها في المخاطبات، وقضت ملاحظة الاستقراء عدم إهمال الواضع وضع اللفظ لخصوصها.
ومنها: ما يكون معاني ارتباطية وأمور مركبة حاصلة من ضم المعاني بعضها إلى بعض كالمركبات التامة والناقصة، فهناك قد وضع الواضع ألفاظا خاصة لمعانيها الإفرادية، وقرر قانونا في فهم المركبات بضم الألفاظ بعضها إلى بعض، وتركيبها مع اخر تركيبا تاما أو ناقصا حسب ما يقتضيه المعنى المقصود، فجعل هناك إضافة وتوصيفا وتقييدا وجملة فعلية واسمية وخبرية وإنشائية لبيان تلك المعاني المركبة على حسب اختلاف تراكيبها، وهذا القدر كاف فيها ولا يجب وضع لفظ مفرد بإزاء المعاني التركيبية. فما ذكر من النقض إن أريد به عدم وضع لفظ لتلك المعاني أصلا ولو بأوضاع عديدة فهو ممنوع، وإن أريد عدم وضع لفظ مفرد بإزائها فقد عرفت أنه لا حاجة إليه.
ومنها: ما يكون أمور جزئية متجددة على مر الدهور والأزمنة يحتاج إلى التعبير عن جملة منها جماعة دون أخرى وطائفة دون غيرها، فهذا مما لا يمكن وضع الألفاظ اللغوية بإزائها، لعدم تناهيها ولاختلاف الحاجة إليها بحسب اختلاف الأزمنة، فينحصر الأمر فيها في الأوضاع الكلية المتعلقة بالكليات التي تندرج هي فيها سواء وضعت بإزائها أو جعلت مرآة لآحادها، فيتعلق الوضع بجزئياتها فيكون إفهام الخصوصيات حينئذ بانضمام القرائن والأمارات، إلا أن يحصل هناك مزية في بعضها لكثرة الدوران فيحتاج إذن إلى وضع شخصي، كما في الأعلام الشخصية، ولا ربط له إذن بواضع اللغات، بل يتصدى له من يحتاج إلى التعبير عنه، ولذا لا يوجد في الأوضاع اللغوية ما يتعلق بالمعاني المفروضة.
فإن قلت: إذا كان وضع الألفاظ بإزاء الكليات والتعبير عنها كافية في إفهام ما يندرج فيها وبيانه فلا حاجة إذن إلى وضع الألفاظ لخصوص المعاني المندرجة تحت تلك الكليات وإن حصل هناك حاجة إلى التعبير عن تلك المعاني بخصوصها، واشتد الاحتياج إلى بيانها، وحينئذ فلا يمكن إجراء القاعدة المذكورة