المفهوم المراد من اللفظ ما يزيد على معناه الموضوع له كما هو الحال في المقام، إذ ليس المراد من لفظة " هذا " مثلا في سائر الموارد إلا أمرا واحدا وإن انطبق ذلك على أمور مختلفة، وقد عرفت أن إطلاقها على خصوص الأفراد من اللوازم الظاهرة لاستعمالها في معناه الموضوع له، حيث إنه لا يمكن إرادتها من اللفظ إلا في ضمن الفرد، فليست تلك الخصوصيات مرادة من اللفظ منضمة إلى معناه الموضوع له في الاستعمال، بل إنما تكون إرادة تلك الخصوصيات باستعمال تلك الألفاظ فيما وضعت له.
فما عزاه المدقق الشيرواني (رحمه الله) إلى القائلين بعموم الموضوع له لتلك الألفاظ من التزام التجوز في إستعمالاتها الشائعة مبني على توهم لزوم ذلك للقول المذكور لا على نصهم عليه، وقد عرفت أنه توهم فاسد لا وجه لالتزامهم به، كيف ولو قالوا بذلك لكانت المجازات التي لا حقيقة لها أمرا شائعا عندهم لا وجه لاختلافهم فيها، ولا لتمسكهم لها بتلك الأمثلة النادرة حسبما ذكر، ففي ذلك دلالة ظاهرة على كون الاستعمالات الشائعة واقعة عندهم على وجه الحقيقة، مع ذهابهم إلى كون الموضوع له هناك هو المفاهيم المطلقة دون كل من تلك الأمور الخاصة.
ثالثها: أن المتبادر من تلك الألفاظ عند الإطلاق إنما هو المعاني الخاصة دون المفاهيم الكلية، وهو دليل على كونها موضوعة لذلك دون ما ذكر من المعاني المطلقة، نظرا إلى قيام أمارة الحقيقة بالنسبة إلى الأولى وأمارة المجاز بالنظر إلى الثانية.
والجواب عنه ظاهر مما مر، لمنع استناد التبادر المذكور إلى نفس اللفظ، إذ مع عدم انفكاك إرادة المعاني المذكورة من تلك الألفاظ عن ذلك والدلالة على إرادة تلك الجزئيات بمجرد الدلالة عليها من غير توقف على أمر آخر غيرها لا يبقى ظهور في استناد التبادر المدعى إلى نفس اللفظ، لينهض دليلا على الوضع، ومما ذكرنا يظهر الحال فيما ذكر من عدم تبادر المعاني المطلقة.
رابعها: أنها لو كانت موضوعة للمعاني الكلية لكانت تلك المعاني هي