أمدكم بما تعلمون (132) أمدكم بأنعم وبنين (133) وجنت وعيون (134) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (135) وهذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام أنه دعا قومه عادا وكان قومه يسكنون الأحقاف وهي جبال الرمل قريبا من حضر موت متاخمة بلاد اليمن وكان زمانهم بعد قوم نوح كما قال في سورة الأعراف (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة) وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد والطول المديد والأرزاق الدارة والأموال والجنات والأنهار والأبناء والزروع والثمار وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه، فبعث الله هودا إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرا ونذيرا فدعاهم إلى الله وحده وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه فقال لهم كما قال نوح لقومه إلى أن قال: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة يبنون هناك بنيانا محكما هائلا باهرا ولهذا قال: (أتبنون بكل ريع آية) أي معلما بناء مشهورا (تعبثون) أي وإنما تفعلون ذلك عبثا لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ولهذا أنكر عليهم نبيهم عليه السلام ذلك لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال: (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) قال مجاهد والمصانع البروج المشيدة والبنيان المخلد، وفي رواية عنه بروج الحمام وقال قتادة هي مأخذ الماء. قال قتادة وقرأ بعض الكوفيين " وتتخذون مصانع كأنكم خالدون " وفي القراءة المشهورة (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) أي لكي تقيموا فيها أبدا وذلك ليس بحاصل لكم بل زائل عنكم كما زال عمن كان قبلكم. وروى ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا أبي حدثنا الحكم بن موسى حدثنا الوليد حدثنا ابن عجلان حدثني عون بن عبد الله بن عتبة أن أبا الدرداء رضي الله عنه لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان ونصب الشجر قام في مسجدهم فنادى يا أهل دمشق فاجتمعوا إليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ألا تستحيون ألا تستحيون تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون، إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون ويبنون فيوثقون ويأملون فيطيلون فأصبح أملهم غرورا، وأصبح جمعهم بورا وأصبحت مساكنهم قبورا، ألا إن عادا ملكت ما بين عدن وعمان خيلا وركابا فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين؟. وقوله: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) أي يصفهم بالقوة والغلظة والجبروت. (فاتقوا الله وأطيعون) أي اعبدوا ربكم وأطيعوا رسولكم، ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم. فقال: (واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) أي إن كذبتم وخالفتم فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب فما نفع فيهم. قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين (136) إن هذا إلا خلق الأولين (137) وما نحن بمعذبين (138) فكذبوه فأهلكناه إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين (139) وإن ربك لهو العزيز الرحيم (140) يقول تعالى مخبرا عن جواب قوم هود له بعد ما حذرهم وأنذرهم ورغبهم ورهبهم وبين لهم الحق ووضحه (قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين) أي لا نرجع عما نحن عليه (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين) وهكذا الامر فإن الله تعالى قال: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وقال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) الآية وقولهم (إن هذا إلا خلق الأولين) قرأ بعضهم (إن هذا إلا خلق الأولين) بفتح الخاء وتسكين اللام قال ابن مسعود والعوفي عن عبد الله بن عباس وعلقمة ومجاهد يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلا أخلاق الأولين كما قال المشركون من قريش (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) وقال: (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه
(٣٥٤)