من عجل " كما قال في الآية الأخرى " وكان الانسان عجولا " أي في الأمور، قال مجاهد خلق الله آدم بعد كل شئ من آخر النهار من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه ولم يبلغ أسفله قال يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي - وقبض أصابعه يقللها - فسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه " قال أبو سلمة فقال عبد الله بن سلام قد عرفت تلك الساعة هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة وهي التي خلق الله فيها آدم قال الله تعالى " خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون " والحكمة في ذكر عجلة الانسان ههنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلوات الله وسلامه عليه وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك فقال الله تعالى خلق الانسان من عجل لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته يؤجل ثم يعجل وينظر ثم لا يؤخر ولهذا قال " سأريك آياتي " أي نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني " فلا تستعجلون ".
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (38) لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون (39) بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون (40) يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضا بوقوع العذاب بهم تكذيبا وجحودا وكفرا وعنادا واستبعادا فقال " ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " قال الله تعالى " لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم " أي لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا به ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم " لهم من فوقهم ظل من النار ومن تحتهم ظلل " " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش " وقال في هذه الآية " حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم " وقال " سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار " فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم " ولا هم ينصرون أي لا ناصر لهم كما قال " ومالهم من الله من واق " وقوله " بل تأتيهم بغتة " أي " تأتيهم النار بغتة " أي فجأة " فتبهتهم " أي تذعرهم فيستسلمون لها حائرين لا يدرون ما يصنعون " فلا يستطيعون ردها " أي ليس له حيلة في ذلك " ولا هم ينظرون " أي ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة.
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون (41) قل من يكلؤكم باليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون (42) أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصرا أنفسهم ولا هم منا يصحبون (43) يقول تعالى مسليا لرسوله عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون " يعني من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه كما قال تعالى " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله * ولقد جاءك من نبأ المرسلين " ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار وكلاءته وحراسته لهم بعينه التي لا تنام فقال " قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن " أي بدل الرحمن يعني غيره كما قال الشاعر:
جارية لم تلبس المرققا ولم تذق من البقول الفستقا