الحجاز ههنا وههنا وذلك سهل على الله تعالى يسير لو شاء لفعله ولأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا ولكن علم أنهم لا يهتدون كما قال تعالى " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " وقال تعالى " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا وما كانوا ليؤمنوا " الآية. وقوله تعالى " أو تسقط السماء كما زعمت " أي أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتهي وتدلي أطرافها فجعل ذلك في الدنيا وأسقطها كسفا أي قطعا كقولهم " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " الآية وكذلك سأل قوم شعيب منه فقالوا " أسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين " فعاقبهم الله بعذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم وأما نبي الرحمة ونبي التوبة المبعوث رحمة للعالمين فسأل إنظارهم وتأجيلهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا وكذلك وقع فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه حتى عبد الله بن أبي أمية الذي تبع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ما قال أسلم إسلاما تاما وأناب إلى عز وجل. وقوله تعالى " أو يكون لك بيت من زخرف " قال ابن عباس ومجاهد وقتادة هو الذهب وكذلك هو في قراءة ابن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب " أو ترقى في السماء " أي تصعد في سلم ونحن ننظر إليك " ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " قال مجاهد أي مكتوب فيه إلى كل واحد واحد صحيفة هذا كتاب من الله لفلان بن فلان تصبح موضوعة عند رأسه وقوله تعالى " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " أي سبحانه وتعالي وتقدس أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته بل هو الفعال لما يشاء إن شاء أجابكم إلى ما سألتم وإن شاء لم يجبكم وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وقد فعلت ذاك وأمركم فيما سألتم إلى الله عز وجل.
قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا علي بن إسحاق حدثنا ابن المبارك حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زجر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عرض علي ربي عز وجل ليجعل إلي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما - أو نحو ذلك - فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " ورواه الترمذي في الزهد عن سويد بن نصر عن ابن المبارك به وقال هذا حديث حسن وعلي بن يزيد يضعف في الحديث.
وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا (94) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا (95) يقول تعالى " وما منع الناس " أي أكثرهم " أن يؤمنوا " ويتابعوا الرسل إلا استعجابهم من بعثه البشر رسلا كما قال تعالى " أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم " وقال تعالى " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا " الآية وقال فرعون وملؤه " أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون " وكذلك قالت الأمم لرسلهم " إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين " والآيات في هذا كثيرة ثم قال تعالى منبها على لطفه ورحمته بعباده أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم ليفقهوا عنه ويفهموا منه لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته ولو بعث إلى البشر رسولا من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الاخذ عنه كما قال تعالى " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " وقال تعالى " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " وقال تعالى " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم وأشكر وا لي ولا تكفرون " ولهذا قال ههنا " قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين " أي كما أنتم فيها