لفيفا " أي جميعكم أنتم وعدوكم قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: لفيفا أي جميعا.
وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا (105) وقرآنا فرقناه لتقرأه على مكث ونزلناه تنزيلا (106) يقول تعالى مخبرا عن كتابه العزيز وهو القرآن المجيد أنه بالحق نزل أي متضمنا للحق كما قال تعالى " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون " أي متضمنا علم الله الذي أراد أن يطلعكم عليه من أحكامه وأمره ونهيه وقوله " وبالحق نزل " أي ونزل إليك يا محمد محفوظا محروسا لم يشب بغيره ولا زيد فيه ولا نقص منه بل وصل إليك بالحق فإنه نزل به شديد القوى الأمين المكين المطاع في الملا الاعلى وقوله " وما أرسلناك " أي يا محمد " إلا مبشرا ونذيرا " مبشرا لمن أطاعك من المؤمنين ونذيرا لمن عصاك من الكافرين.
وقوله " وقرآنا فرقناه " أما قراءة من قرأ بالتخفيف فمعناه فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل مفرقا منجما على الوقائع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة قاله عكرمة عن ابن عباس.
وعن ابن عباس أيضا أنه قرأ فرقناه بالتشديد أي أنزلناه آية آية مبينا مفسرا ولهذا قال: " لتقرأه على الناس " أي لتبلغه الناس وتتلوه عليهم أي " على مكث " أي مهل " ونزلناه تنزيلا " أي شيئا بعد شئ.
قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا (107) ويقولون سبحن ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا (108) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا (109) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم " آمنوا به أو لا تؤمنوا " أي سواء آمنتم به أم لا فهو حق في نفسه أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله ولهذا قال " إن الذين أوتوا العلم من قبله " أي من صالحي أهل الكتاب الذين تمسكوا بكتابهم ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرفوه " إذا يتلى عليهم " هذا القرآن " يخرون للأذقان " جمع ذقن وهو أسفل الوجه " سجدا " أي لله عز وجل شكرا على ما أنعم به عليهم من جعله إياهم أهلا إن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب. ولهذا يقو لون " سبحان ربنا " أي تعظيما وتوقيرا على قدرته التامة وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا قالوا " سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ". وقوله " ويخرون للأذقان يبكون " أي خضوعا لله عز وجل وإيمانا وتصديقا بكتابه ورسوله " ويزيدهم خشوعا " أي إيمانا وتسليما كما قال " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " وقوله " ويخرون " عطف صفة على صفة لا عطف السجود على السجود كما قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا (110) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (111)