" الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث سهيل عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقولون الجنسية علة الضم: والغرض أنه جعل كل أحد منهم يكتم ما هو عليه عن أصحابه خوفا منهم ولا يدري أنهم مثله حتى قال أحدهم: تعلمون والله يا قوم إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شئ فليظهر كل واحد منكم بأمره فقال آخر: أما أنا فإني والله رأيت ما قومي عليه فعرفت أنه باطل وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به شيئا هو الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وقال الآخر: وأنا والله وقع لي كذلك وقال الآخر كذلك حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة فصاروا يدا واحدة وإخوان صدق فاتخذوا لهم معبدا يعبدون الله فيه فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله عز وجل ولهذا أخبر تعالى عنهم: بقوله " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها " ولن لنفي التأبيد أي لا يقع منا هذا أبدا لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلا ولهذا قال عنهم " لقد قلنا إذا شططا " أي باطلا وكذبا وبهتانا " هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين " أي هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلا واضحا صحيحا " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا " يقولون: بل هم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك فيقال إن ملكهم لما دعوه إلى الايمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم وأمر بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه وكان هذا من لطف الله بهم فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفا على دينه كما جاء في الحديث " يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس ولا تشرع فيما عداها لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم واختار الله تعالى لهم ذلك وأخبر عنهم بذلك. في قوله " وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله " أي وإذ فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله ففارقوهم أيضا بأبدانكم " فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته " أي يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم " ويهئ لكم من أمركم " الذي أنتم فيه " مرفقا " أي أمرا ترتفقون به فعند ذلك خرجوا هرابا إلى الكهف فأووا إليه ففقدهم قومهم من بين أظهر هم وتطلبهم الملك فيقال إنه لم يظفر بهم وعمى الله عليه خبرهم كما فعل بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق حين لجأ إلى غار ثور وجاء المشركون من قريش في الطلب فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جزع الصديق في قوله: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لابصرنا فقال " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ " وقد قال تعالى " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذا هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم " فقصة هذا الغار أشرف وأجل و أعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف وقد قيل إن قومهم ظفروا ووقفوا على باب الغار الذي دخلوه فقالوا ما كنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعلوا ذلك وفي هذا نظر والله أعلم فإن الله تعالى قد أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشيا كما قال تعالى.
وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (17) فهذا فيه دليل على أن باب هذا الكهف كان من نحو الشمال لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها