هي المرادة ههنا وهي المعنية في قوله تعالى " وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف - إلى قوله في تسع آيات - إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين " فذكر هاتين الآيتين العصا واليد وبين الآيات الباقيات في سورة الأعرف وتفصلها وقد أوتي موسى عليه السلام آيات أخر كثيرة منها ضربه الحجر بالعصا وخروج الماء منه ومنها تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما أوتوه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر ولكن ذكر ههنا التسع آيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر فكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرا وجحودا فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: قال يهودي لصاحبه:
اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآيات " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " فقال لا تقل له نبي فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين فسألاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة - أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك - وأنتم يا يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت " فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد أنك نبي قال " فما يمنعكما أن تتبعاني؟ " قالا لان داود عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته في نبي وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود. فهذا حديث رواه هكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج به وقال الترمذي حسن صحيح. وهو حديث مشكل وعبد الله بن سلمة في حفظه شئ وقد تكلموا فيه ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون والله أعلم. ولهذا قال موسى لفرعون. " لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر " أي حججا وأدلة على صدق ما جئتك به " وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " أي هالكا قاله مجاهد وقتادة وقال ابن عباس ملعونا " وقال أيضا هو والضحاك " مثبورا " أي مغلوبا والهالك كما قال مجاهد يشمل هذا كله قال الشاعر:
إذ أباري الشيطان في سنن الغي - ومن مال ميله مثبور وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله علمت وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون كما قال تعالى " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " الآية فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الآيات إنما هي ما تقدم ذكره من العصا واليد والسنين ونقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله وليس المراد منها كما ورد في هذا الحديث فإن هذ ه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟ وما جاءهم هذا الوهم إلا من قبل عبد الله بن سلمة فإن له بعض ما ينكر والله أعلم ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات فحصل وهم في ذلك والله أعلم. وقوله " فأراد أن يستفزهم من الأرض " أي يخليهم منها ويزيلهم عنها " فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض " وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن السورة مكية نزلت قبل الهجرة وكذلك وقع فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى " وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها " الآيتين ولهذا أورث الله رسوله مكة فدخلها عنوة على أشهر القولين وقهر أهلها ثم أطلقهم حلما وكرما كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم كما قال كذل وأورثناها بني إسرائيل. وقال ههنا " وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم