" لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " أي من جنسهم ولما كنتم أنتم بشرا بعثنا فيكم رسلنا منكم لطفا ورحمة.
قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا (96) يقول تعالى مرشدا نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الحجة على قومه في صدق ما جاءهم به إنه شاهد علي وعليكم عالم بما جئتكم به فلو كنت كاذبا عليه لانتقم مني أشد الانتقام كما قال تعالى " ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين " وقوله " إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " أي عليما بهم بمن يستحق الانعام والاحسان والهداية ممن يستحق الشقاء والاضلال والإزاغة ولهذا قال:
ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا (97) يقول تعالى مخبرا عن تصرفه في خلقه ونفوذ حكمه وأنه لا معقب له بأنه من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه أي يهدونهم كما قال " من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا " وقوله: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم " قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير حدثنا إسماعيل عن نفيع قال سمعت أنس بن مالك يقول: قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم؟ قال " الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " وأخرجاه في الصحيحين وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا الوليد ابن جميع القرشي عن أبيه عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد قال: قام أبو ذر فقال يا بني غفار قولوا ولا تحلفوا فإن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج فوج راكبين طاعمين كاسين وفوج يمشون ويسعون وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار فقال قائل منهم هذان قد عرفناهما فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال " يلقي الله عز وجل الآفة على الظهر حتى لا يبقى ظهر حتى إن الرجل لتكون له الحديقة المعجبة فيعطيها بالشارف ذات القتب فلا يقدر عليها " وقوله " عميا " أي لا يبصرون " وبكما " يعني لا ينطقون " وصما " لا يسمعون وهذا يكون في حال دون حال جزاء لهم كما كانوا في الدنيا بكما وعميا وصما عن الحق فجوزوا في محشرهم بذلك أحوج ما يحتاجون إليه " مأواهم " أي منقلبهم ومصيرهم " جهنم كلما خبت " قال ابن عباس سكنت وقال مجاهد طفئت " زدناهم سعيرا " أي لهبا ووهجا وجمرا كما قال " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ".
ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآيتنا وقالوا أإذا كنا عظما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا (98) * أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا (99) يقول تعالى هذا الذي جازيناهم به من البعث على العمى والبكم والصمم جزاؤهم الذي يستحقونه لانهم كذبوا " بآياتنا " أي بأدلتنا وحجتنا واستبعدوا وقوع البعث " وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا " أي بالية نخرة " أإنا لمبعوثون خلقا جديدا " أي بعدما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى والهلاك والتفرق والذهاب في الأرض نعاد مرة ثانية؟
فاحتج تعالى عليهم ونبههم على قدرته على ذلك بأنه خلق السماوات والأرض فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك كما قال " لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس " وقال " أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى " الآية وقال " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر