كما قال تعالى (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن وقال ههنا (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) قال مجاهد مشقة وهن الولد وقال قتادة جهدا على جهد وقال عطاء الخراساني ضعفا على ضعف وقوله (وفصاله في عامين) أي تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين كما قال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ومن ههنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأنه قال في الآية الأخرى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارا ليذكر الولد بإحسانه المتقدم إليه كما قال تعالى (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) ولهذا قال (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) أي فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء قال ابن أبي حاتم حدثنا زرعة حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ومحمود بن غيلان قالا حدثنا عبيد الله أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال: قدم علينا معاذ بن جبل وكان بعثه النبي فقام وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تطيعوني لا آلوكم خيرا وإن المصير إلى الله إلى الجنة أو إلى النار إقامة فلا ظعن وخلود فلا موت. وقوله (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا أي محسنا إليهما (واتبع سبيل من أناب إلي) يعني المؤمنين (ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) قال الطبراني في كتاب العشرة حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد حدثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند أن سعد بن مالك قال أنزلت في هذه الآية (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) الآية قال كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه فقلت لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشئ فمكثت يوما وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يوما آخر وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يوما وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها فلما رأيت ذلك قلت يا أمه: تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشئ فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي فأكلت.
يبنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير (16) يبنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور (17) ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور (18) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوت لصوت الحمير (19) هذه وصايا نافعة قد حكاها الله سبحانه عن لقمان الحكيم ليمتثلها الناس ويقتدوا بها فقال (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل) أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله إنها ضمير الشأن والقصة وجوز على هذا رفع مثقال والأول أولى وقوله عز وجل (يأت بها الله) أي أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط وجازى عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر كما قال تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا) الآية وقال تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء أو غائبة ذاهبة في أرجاء السماوات والأرض فإن الله يأتي بها لأنه لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. ولهذا قال تعالى (إن الله لطيف خبير) أي لطيف العلم فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت (خبير) بدبيب النمل في الليل البهيم وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله (فتكن في صخرة) أنها