عليها النفقة والصلاة والكساوي والاحسان الجزيل فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمنا في عز وجاه ورزق دار ولهذا جاء في الحديث " مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها " ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل يوم وليلة أو نحوه والله أعلم فسبحان من بيده الامر ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجا وبعد كل ضيق مخرجا، ولهذا قال تعالى: (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها) أي به (ولا تحزن) أي عليه (ولتعلم أن وعد الله حق) أي فيما وعدها من رده إليها وجعله من المرسلين فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعا وشرعا.
وقوله تعالى: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أي حكم الله في أفعاله وعواقبها المحمودة التي هو المحمود عليها في الدنيا والآخرة فربما يقع الامر كريها إلى النفوس وعاقبته محمودة في نفس الامر كما قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) وقال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا).
ولما بلغ أشده واستوى اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين (14) ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين (15) قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم (16) قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين (17) لما ذكر تعالى مبدأ أمر موسى عليه السلام ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى آتاه الله حكما وعلما قال مجاهد يعني النبوة.
(وكذلك نجزي المحسنين) ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قدره له من النبوة والتكليم في قضية قتله ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين فقال تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس وذلك بين المغرب والعشاء. وقال ابن المنكدر عن عطاء بن يسار عن ابن عباس كان ذلك نصف النهار وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة (فوجد فيها رجلين يقتتلان) أي يتضاربان ويتنازعان (هذا من شيعته) أي إسرائيلي (وهذا من عدوه) أي قبطي قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام فوجد موسى فرصة وهي غفلة الناس فعمد إلى القبطي (فوكزه موسى فقضى عليه) قال مجاهد فوكزه أي طعنه بجمع كفه وقال قتادة وكزه بعصا كانت معه فقضى عليه أي كان فيها حتفه فمات (قال) موسى (هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي) أي بما جعلت لي من الجاه والعز والنعمة (فلن أكون ظهيرا) أي معينا (للمجرمين) أي الكافرين بك المخالفين لأمرك.
فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال لهم موسى إنك لغوى مبين (18) فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين (19) يقول تعالى مخبرا عن موسى لما قتل ذلك القبطي أنه أصبح (في المدينة خائفا) أي من معرة ما فعل (يترقب) أي يتلفت ويتوقع ما يكون من هذا الامر فمر في بعض الطرق فإذا ذلك الذي استنصره بالأمس على ذلك القبطي يقاتل آخر فلما مر عليه موسى استصرخه على الآخر فقال له موسى (إنك لغوي مبين) أي ظاهر الغواية كثير الشر ثم عزم على البطش بذلك القبطي فاعتقد الإسرائيلي لخوره وضعفه وذلته أن موسى إنما يريد قصده لما سمعه يقول ذلك فقال يدفع