" وآتينا موسى الكتاب " يعني التوراة " وجعلناه " أي الكتاب " هدى " أي هاديا " لبني إسرائيل أن لا تتخذوا " أي لئلا تتخذوا " من دوني وكيلا " أي وليا ولا نصيرا ولا معبودا دوني لان الله تعالى أنزل على كل نبي أرسله أن يعبده وحده لا شريك له ثم قال " ذرية من حملنا مع نوح " تقديره يا ذرية من حملنا مع نوح فيه تهييج وتنبيه على المنة أي يا سلالة من نجينا فحلمنا مع نوح في السفينة تشبهوا بأبيكم " إنه كان عبدا شكورا " فاذكروا أنتم نعمتي عليكم بإرسالي إليكم محمدا صلى الله عليه وسلم وقد ورد في الحديث وفي الأثر عن السلف أن نوحا عليه السلام كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله. فلهذا سمي عبدا شكورا. قال الطبراني حدثني علي بن عبد العزيز حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي حصين عن عبد الله بن سنان عن سعد بن مسعود الثقفي قال: إنما سمي نوح عبدا شكورا لأنه كان إذا أكل أو شرب حمد الله. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو أسامة حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها " وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق أبي أسامة به وقال مالك عن زيد بن أسلم كان يحمد الله على كل حال وقد ذكر البخاري هنا حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة - بطوله وفيه - فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا فاشفع لنا إلى ربك " وذكر الحديث بكامله.
وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا (4) فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا مفعولا (5) ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (6) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا (7) عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا عليكم وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا (8) يخبر تعالى أنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب أي تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين ويعلون علوا كبيرا أي يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس كقوله تعالى " وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين " أي تقدمنا إليه وأخبرناه بذلك وأعلمناه به. وقوله " فإذا جاء وعد أولاهما " أي أولى الإفسادتين " بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد " أي سلطنا عليكم جندا من خلقنا أولي بأس شديد أي قوة وعدة وعدد وسلطنة شديدة " فجاسوا خلال الديار " أي تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم أي بينها ووسطها وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدا وكان وعدا مفعولا. وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم من هم؟ فعن ابن عباس وقتادة أنه جالوت الجزري وجنوده سلط عليهم أولا ثم أديلوا عليه بعد ذلك. وقتل داود جالوت ولهذا قال " ثم رددنا لك الكرة عليهم ". وعن سعيد بن جبير أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده وعنه أيضا وعن غيره أنه بختنصر ملك بابل. وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال إلى أن ملك البلاد وأنه كان فقيرا مقعدا ضعيفا يستعطي الناس ويستطعمهم ثم آل به الحال إلى ما آل وأنه سار إلى بلاد بيت المقدس فقتل بها خلقا كثيرا من بني إسرائيل، وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثا أسنده عن حذيفة مرفوعا مطولا وهو حديث موضوع لا محالة لا يستريب في