تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٣ - الصفحة ٢٥
خالفت الأخرى مرة على حدة فأثبت إسراءات متعددة فقد أبعد وأغرب وهرب إلى غير مهرب ولم يتحصل على مطلب. وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه عليه السلام أسري به مرة من مكة إلى بيت المقدس فقط ومرة من مكة إلى السماء فقط ومرة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء وفرح بهذا المسلك وأنه قد ظفر بشئ يخلص به من الاشكالات وهذا بعيد جدا ولم ينقل هذا عن أحد من السلف ولو تعدد هذا التعدد لاخبر النبي صلى الله عليه وسلم به أمته ولنقله الناس على التعدد والتكرر. قال موسى بن عقبة عن الزهري: كان الاسراء قبل الهجرة بسنة وكذا قال عروة وقال السدي بستة عشر شهرا والحق أنه عليه السلام أسرى به يقظة لا مناما من مكة إلى بيت المقدس راكبا البراق. فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين ثم أتى بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها فصعد فيه إلى السماء الدنيا ثم إلى بقية السماوات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم حتى مر بموسى الكليم في السادسة وإبراهيم الخليل في السابعة ثم جاوز منزلتيهما صلى الله عليه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام أي أقلام القد ر بما هو كائن ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة وغشيتها الملائكة ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح ورأى رفرفا أخضر قد سد الأفق. ورأى البيت المعمور وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. ورأى الجنة والنار وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفا بعباده وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها. ثم هبط إلى بيت المقدس وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة.
ويحتمل أنها الصبح من يومئذ ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه. والظاهر أنه بعد رجوعه إليه لأنه لما مر بهم في منازلهم، جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا وهو يخبره بهم وهذا هو اللائق لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى ثم لما فرغ من الذي أريد به اجتمع به هو وإخوانه من النبيين ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك. ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس والله سبحانه وتعالى أعلم وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل أو اللبن والخمر أو اللبن والماء أو الجميع فقد ورد أنه في بيت المقدس وجاء أنه في السماء. ويحتمل أن يكون ههنا وههنا لأنه كالضيافة للقادم والله أعلم ثم اختلف الناس هل كان الاسراء ببدنه عليه السلام وروحه أو بروحه فقط على قولين فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناما ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك منام ثم رآه بعده يقظة لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شئ ولم يكن مستعظما ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم وأيضا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال " أسرى بعبده ليلا " قال تعالى " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم. رواه البخاري وقال تعالى " ما زاغ البصر وما طغى " والبصر من آلات الذات لا الروح وأيضا فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان وإنما يكون هذا للبدن لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه والله أعلم. وقال آخرون بل أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه لا بجسده قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت رؤيا من الله
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة سبحان 3
2 قصة الاسراء والمعراج 3
3 إيتاء سيدنا موسى عليه السلام التوراة 26
4 كتاب الاعمال 29
5 بعثة الرسل 31
6 المترفين 35
7 القرون الماضية بعد نوح 36
8 هلاك من آثر الدنيا على الآخرة 36
9 الامر بالتوسط في الانفاق 40
10 تكريم بنى آدم 55
11 الكلام على الروح 64
12 لو اجتمع الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لعجزوا 66
13 إيتاء موسى عليه السلام التسع آيات 70
14 تفسير سورة الكهف 74
15 قصة أصحاب الكهف 77
16 قصة صاحب الجنتين 87
17 قصة سيدنا موسى مع الخضر 97
18 قصة ذو القرنين 106
19 تفسير سورة مريم 116
20 قصة سيدنا زكريا عليه السلام 116
21 قصة السيدة مريم 120
22 قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام 129
23 قصة سيدنا موسى عليه السلام 131
24 قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام 132
25 قصة سيدنا إدريس عليه السلام 133
26 المرور على الصراط 138
27 تفسير سورة طه 148
28 قصة سيدنا موسى مع فرعون 151
29 تفسير سورة الأنبياء 181
30 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 190
31 قصة سيدنا داود وسليمان 195
32 قصة سيدنا أيوب عليه السلام 197
33 قصة سيدنا يونس عليه السلام 200
34 تفسير سورة الحج 212
35 اذان سيدنا إبراهيم بالحج 225
36 دفاع الله عن المؤمنين 235
37 تفسير سورة المؤمنون 248
38 بيان كيفية خلق الانسان 250
39 تفسير سورة النور 270
40 ما جاء في اللعان 275
41 قصة الافك 279
42 الامر بالاستئذان 289
43 امر المؤمنين بغض ابصارهم 292
44 امر المؤمنات بغض أبصارهن 293
45 الامر بنكاح الأيامى المؤمنات 297
46 تفسير قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض 300
47 الامر ببناء المساجد وتعظيمها 303
48 تفسير سورة الفرقان 319
49 صفات عباد الرحمن 336
50 تفسير سورة الشعراء 343
51 قصة سيدنا موسى مع فرعون 344
52 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 350
53 قصة سيدنا نوح مع قومه 353
54 قصة سيدنا هود مع قومه 353
55 قصة سيدنا لوط مع قومه 357
56 قصة سيدنا شعيب مع قومه 357
57 تفسير سورة النمل 368
58 قصة سيدنا موسى مع فرعون 369
59 قصة سيدنا داود وسليمان 370
60 قصة سيدنا صالح مع قومه 379
61 قصة الدابة التي تخرج من الأرض 386
62 النفخ في الصور 389
63 تفسير سورة القصص 391
64 نيا سيدنا موسى مع فرعون 391
65 قصة قارون 409
66 تفسير سورة العنكبوت 415
67 نبا سيدنا نوح مع قومه 417
68 نبا سيدنا إبراهيم عليه السلام 418
69 تفسير سورة الروم 432
70 الآيات الدالة على قدرته عز وجل 438
71 تفسير سورة لقمان 450
72 وصية لقمان لابنه 453
73 فصل في الخمول والتواضع 456
74 باب ما جاء في الشهرة 457
75 فصل في حسن الخلق 458
76 فصل في ذم الكبر 458
77 فصل في الاختيال 459
78 تفسير سورة السجدة 465
79 صفات المؤمنين 467
80 تفسير سورة الأحزاب 473
81 النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الخ 476
82 اخذ العهد على الأنبياء 477
83 الامر بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 483
84 فضل أمهات المؤمنين 490
85 ما أعده الله للمؤمنين والمؤمنات 495
86 الامر بالاكثار من ذكر الله 502
87 آية الحجاب 511
88 الامر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم 514
89 امر المؤمنات بتطويل الثياب 526
90 تفسير سورة سبا 532
91 تسخير الريح والجن لسيدنا سليمان 535
92 قصة سبا 538
93 ارسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة 546
94 تفسير سورة فاطر 554
95 ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها 554
96 الكلام على قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله 559
97 الكلام على قوله تعالى: ان الذين يتلون كتاب الله... الخ 561
98 تفسير سورة يس 570
99 أصحاب القرية 574
100 الدليل على البعث 588