ما يوجب البعد الذي هو كالموت وأي يوجب القرب الذي هو كالحياة، فلما حصلا حصلت حالة متوسطة بين الحياة والموت، وتلك الحالة هي النوم، والنائم لا بد وأن ينبه وها كلمة تنبيه، فلهذا السبب ختمت حروف النداء بهذا الحرف.
المسألة الثانية: روى في سبب نزول هذه السورة أن الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، قالوا لرسول الله تعالى: حتى نعبد إلهك مدة، وتعبد آلهتنا مدة، فيحصل مصلح بيننا وبينك، وتزول العداوة من بيننا، فإن كان أمرك رشيدا أخذنا منه حظا، وإن كان أمرنا رشيدا أخذت منه حظا، فنزلت هذه السورة ونزل أيضا قوله تعالى: * (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * فتارة وصفهم بالجهل وتارة بالكفر، واعلم أن الجهل كالشجرة، والكفر كالثمرة، فلما نزلت السورة وقرأها على رؤوسهم شتموه وأيسوا منه، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: لم ذكرهم في هذه السورة بالكافرين، وفي الأخرى بالجاهلين؟ الجواب: لأن هذه السورة بتمامها نازلة فيهم، فلا بد وأن تكون المبالغة ههنا أشد، وليس في لدنيا لفظ أشنع ولا أبشع من لفظ الكافر، وذلك لأنه صفة ذم عند جميع الخلق سواء كان مطلقا أو مقيدا، أما لفظ الجهل فإنه عند التقييد قد لا يذم، كقوله عليه السلام في علم الأنساب: " علم لا ينفع وجهل لا يضر ".
السؤال الثاني: لما قال تعالى في سورة: * (لم تحرم) * يا أيها الذين كفروا، ولم يذكر قل، وههنا ذكر قل، وذكره باسم الفاعل والجواب: الآية المذكورة في سورة لم تحزم: إنما تقال لهم يوم القيامة وثمة لا يكون الرسول رسولا إليهم فأزال الواسطة وفي ذلك الوقت يكونون مطيعين لا كافرين. فلذلك ذكره بلفظ الماضي، وأما ههنا فهم كانوا موصوفين بالكفر، وكان الرسول رسولا إليهم، فلا جرم قال: * (قل يا أيها الكافرون) *.
السؤال الثالث: قوله ههنا: * (قل يا أيها الكافرون) * خطاب مع الكل أو مع البعض؟ الجواب: لا يجوز أن يكون قوله: * (لا أعبد ما تعبدون) * خطابا مع الكل، لأن في الكفار من يعبد الله كاليهود والنصارى فلا يجوز أن يقول لهم: * (لا أعبد ما تعبدون) * ولا يجوز أيضا أن يكون قوله: * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * خطابا مع الكل، لأن في الكفار من آمن وصار بحيث يعبد اللهد فإذن وجب أن يقال: إن قوله: * (يا أيها الكافرون) * خطاب مشافهة مع أقوام مخصوصين وهم الذين قالوا نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة، والحاصل أنا لو حملنا الخطاب على العموم دخل التخصيص، ولو حملنا على أنه خطاب مشافهة لم يلزمنا ذلك، فكان حمل الآية على هذا المحمل أولى.
* (لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون مآ أعبد * ولا أنآ عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون مآ أعبد) *.
أما قوله تعالى: * (لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد