ومرجعا ورجعي على وزن فعلى، وفي معنى الآية وجهان: أحدهما: أنه يرى ثواب طاعته وعقاب تمرده وتكبره وطغيانه، ونظيره قوله: * (ولا تحسبن الله غافلا) * إلى قوله: * (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) * وهذه الموعظة لا تؤثر إلا في قلب من له قدم صدق، أما الجاهل فيغضب ولا يعتقد إلا الفرح العاجل والقول الثاني: أنه تعالى يرده ويرجعه إلى النقصان والفقر والموت، كما رده من النقصان إلى الكمال، حيث نقله من الجمادية إلى الحياة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الذل إلى العز، فما هذا التعزز والقوة.
المسألة الثالثة: روى أن أبا جهل قال للرسول عليه الصلاة والسلام: أتزعم أن من استغنى طغى، فاجعل لنا جبال مكة ذهبا وفضة لعلنا نأخذ منها فنطغى، فندع ديننا ونتبع دينك، فنزل جبريل وقال: إن شئت فعلنا ذلك، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم مثل ما فعلنا بأصحاب المائدة، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء إبقاء عليهم.
* (أرأيت الذى ينهى * عبدا إذا صلى) *.
قوله تعالى: * (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: روى عن أبي جهل لعنه الله أنه قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم، قال: فوالذي يحلف به لئن رأيته لأطأن عنقه، ثم إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فنكص على عقبيه، فقالوا له: مالك يا أبا الحكم؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا شديدا. وعن الحسن أن أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة.
واعلم أن ظاهر الآية أن المراد في هذه الآية هو الإنسان المتقدم ذكره، فلذلك قالوا: إنه ورد في أبي جهل، وذكروا ما كان منه من التوعد لمحمد عليه الصلاة والسلام حين رآه يصلي، ولا يمتنع أن يكون نزولها في أبي جهل، ثم يعم في الكل، لكن ما بعده يقتضي أنه في رجل بعينه.
المسألة الثانية: قوله: * (أرأيت) * خطاب مع الرسول على سبيل التعجب، ووجه التعجب فيه أمور أحدها: أنه عليه السلام قال: اللهم أعز الإسلام إما بأبي جعل بن هشام أو بعمر، فكأنه تعالى قال له: كنت تظن أنه يعز به الإسلام، أمثله يعز به الإسلام، وهو: * (ينهى عبدا إذا صلى) * وثانيها: أنه كان يلقب بأبي الحكم، فكأنه تعالى يقول: كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه، أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثان! وثالثها: أن ذلك الأحمق يأمر وينهى، ويعتقد أنه يجب على الغير طاعته، مع أنه ليس بخالق ولا رب، ثم إنه ينهى عن طاعة الرب والخالق، ألا يكون هذا غاية الحماقة.
المسألة الثالثة: قال: * (ينهى عبدا) * ولم يقل: ينهاك، وفيه فوائد أحدها: أن التنكير في عبدا يدل على كونه كاملا في العبودية، كأنه يقول: إنه عبد لا يفي العالم بشرح بيانه وصفة إخلاصه في