الأولى: من المخاطب بقوله: * (فما يكذبك) *؟ الجواب فيه قولان: أحدهما: أنه خطاب للإنسان على طريقة الالتفات، والمراد من قوله: * (فما يكذبك) * أن كل من أخبر عن الواقع بأنه لا يقع فهو كاذب، والمعنى فما الذي يلجئك إلى هذا الكذب والثاني: وهو اختيار الفراء أنه خطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى فمن يكذبك يا أيها الرسول بعد ظهور هذه الدلائل بالدين.
السؤال الثاني: ما وجه التعجب؟ الجواب: أن خلق الإنسان من النطفة وتقويمه بشرا سويا وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي، تم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر دليل واضح على قدرة الخالقة على الحشر والنشر، فمن شاهد هذه الحالة ثم بقي مصرا على إنكار الحشر فلا شيء أعجب منه.
* (أليس الله بأحكم الحاكمين) *.
ثم قال تعالى: * (أليس الله بأحكم الحاكمين) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ذكروا في تفسيره وجهين أحدهما: أن هذا تحقيق لما ذكر من خلق الإنسان ثم رده إلى أرذل العمر، يقول الله تعالى: أليس الذي فعل ذلك بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا، وإذا ثبتت القدرة والحكمة بهذه الدلالة صح القول بإمكان الحشر ووقوعه، أما الإمكان فبالنظرة إلى القدرة، وأما الوقوع فبالنظر إلى الحكمة لأن عدم ذلك يقدح في الحكمة، كما قال تعالى: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا) *. والثاني: أن هذا تنبيه من الله تعالى لنبيه عليه السلام بأنه يحكم بينه وبين خصومه يوم القيامة بالعدل.
المسألة الثانية: قال القاضي: هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلق أفعال العباد مع ما فيها من السفه والظلم، فإنه لو كان الفاعل لأفعال العباد هو الله تعالى لكان كل سفه وكل أمر بسفه وكل ترغيب في سفه فهو من الله تعالى ومن كان كذلك فهو أسفه السفهاء، كما أنه لا حكمة ولا أمر بالحكمة ولا ترغيب في الحكمة إلا من الله تعالى، ومن كان كذلك فهو أحكم الحكماء، ولما ثبت في حقه تعال الأمران لم يكن وصفه بأنه أحكم الحكماء أولى من وصفه بأنه أسفه السفهاء. ولما امتنع هذا الوصف في حقه تعالى علمنا أنه ليس خالقا لأفعال العباد والجواب: المعارضة بالعلم والداعي، ثم نقول: السفيه من قامت السفاهة به لا من خلق السفاهة، كما أن المتحرك والساكن من قامت الحركة والسكون به لا من خلقهما، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.