وصوم التطوع وزوجته عن الاعتكاف، لأن ذلك لاستيفاء مصلحته بإذن ربه لا بغضا لعبادة ربه.
* (كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية) *.
ثم قال تعالى: * (كلا) * وفيه وجوه أحدها: أنه ردع لأبي جهل ومنه له عن نهيه عن عبادة الله تعالى وأمره بعبادة اللات وثانيها: كلا لن يصل أبو جهل إلى ما يقول إنه يقتل محمدا أو يطأ عنقه، بل تلميذ محمد هو الذي يقتله ويطأ صدره وثالثها: قال مقاتل: كلا لا يعلم أن الله يرى وإن كان يعلم لكن إذا كان لا ينتفع بما يعلم فكأنه لا يعلم.
ثم قال تعالى: * (لئن لم ينته) * أو عما هو فيه: * (لنسفعا بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في قوله: * (لنسفعا) * وجوه أحدها: لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، والسفع القبض على الشيء، وجذبه بشدة، وهو كقوله: * (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) * وثانيها: السفع الضرب، أي لنلطمن وجهه وثالثها: لنسودن وجهه، قال الخليل: تقول للشيء إذا لفحته النار لفحا يسيرا يغير لون البشرة قد سفعته النار، قال: والسفع ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر سميت بذلك لسوادها، قال: والسفعة سواد في الخدين. وبالجملة فتسويد الوجه علامة الإذلال والإهانة ورابعها: لنسمنه قال ابن عباس في قوله: * (سنسمه على الخرطوم) * إنه أبو جهل خامسها: لنذلنه.
المسألة الثانية: قرىء لنسفعن بالنون المشددة، أي الفاعل لهذا الفعل هو الله والملائكة، كما قال: * (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) * وقرأ ابن مسعود لأسعفن، أي يقول الله تعالى يا محمد. أنا الذي أتولى إهانته، نظيره: * (هو الذي أيدك) *، * (هو الذي أنزل السكينة) *.
المسألة الثالثة: هذا السفع يحتمل أن يكون المراد منه إلى النار في الآخرة وأن يكون المراد منه في الدنيا، وهذا أيضا على وجوه أحدها: ما روى أن أبا جهل لما قال: إن رأيته يصلي لأطأن عنقه، فأنزل الله هذه السورة، وأمره جبريل عليه السلام بأن يقرأ على أبي جهل ويخر لله ساجدا في آخرها ففعل، فعدا إليه أبو جهل ليطأ عنقه، فلما دنا منه نكص على عقبيه راجعا، فقيل له مالك؟ قال: إن بيني وبينه فحلا فاغرا فاه لو مشيت إليه لالتقمني، وقيل: كان جبريل وميكائيل عليهما السلام على كتفيه في صورة الأسد والثاني: أن يكون المراد يوم بدر فيكون ذلك بشارة بأنه تعالى يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجرونه إلى القتل إذا عاد إلى النهي، فلما عاد لا جرم مكنهم الله تعالى من ناصيته يوم بدر، روى أنه لما نزلت سورة الرحمن * (علم القرآن) * قال عليه السلام: لأصحابه من يقرؤها منكم على رؤساء قريش، فتثاقلوا مخافة أذيتهم، فقام ابن مسعود وقال: أنا يا رسول الله، فأجلسه عليه السلام، ثم قال: من يقرؤها عليهم فلم يقم إلا ابن مسعود، ثم ثالثا كذلك إلى أن أذن له، وكان عليه السلام يبقى عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر