الحدوث فقط بل في حال الحدوث وحال البقاء معا في الذات وفي جميع الصفات، فقوله: * (برب الفلق) * يدل على احتياج كل ما عداه إليه حالتي الحدوث والبقاء في الماهية والوجود بحسب الذوات والصفات وسر التوحيد لا يصفو عن شوائب الشرك إلا عند مشاهدة هذه المعاني، وثالثها: أن التصوير والتكوين في الظلمة أصعب منه في النور، فكأنه يقول: أنا الذي أفعل ما أفعله قبل طلوع الأنوار وظهور الأضواء ومثل ذلك مما لا يتأتى إلا بالعلم التام والحكمة البالغة وإليه الإشارة بقوله: * (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) *.
القول الثالث: أنه واد في جهنم أوجب فيها من قولهم لما اطمأن من الأرض الفلق والجمع فلقان، وعن بعض الصحابة أنه قدم الشام فرأى دور أهل الذمة وما هم فيه من خصب العيش فقال لا أبالي، أليس من ورائهم الفلق، فقيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، وإنما خصه بالذكر ههنا لأنه هو القادر على مثل هذا التعذيب العظيم الخارج عن حد أوهام الخلق، ثم قد ثبت أن رحمته أعظم وأكمل وأتم من عذابه، فكأنه يقول: يا صاحب العذاب الشديد أعوذ برحمتك التي هي أعظم وأكمل وأتم وأسبق وأقدم من عذابك.
* (من شر ما خلق) *.
قوله تعالى: * (من شر ما خلق) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تفسير هذه الآية وجوه أحدها: قال عطاء عن ابن عباس: يريد إبليس خاصة لأن الله تعالى لم يخلق خلقا هو شر منه ولأن السورة إنما نزلت في الاستعاذة من السحر، وذلك إنما يتم بإبليس وبأعوانه وجنوده وثانيها: يريد جهنم كأنه يقول: قل أعوذ برب جهنم ومن شدائد ما خلق فيها وثالثها: * (من شر ما خلق) * يريد من شر أصناف الحيوانات المؤذيات كالسباع والهوام وغيرهما، ويجوز أن يدخل فيه من يؤذيني من الجن والإنس أيضا ووصف أفعالها بأنها شر، وإنما جاز إدخال الجن والإنسان تحت لفظة ما، لأن الغلبة لما حصلت في جانب غير العقلاء حسن استعمال لفظة ما فيه، لأن العبرة بالأغلب أيضا ويدخل فيه شرور الأطعمة الممرضة وشرور الماء والنار، فإن قيل الآلام الحاصلة عقيب الماء والنار ولدغ الحية والعقرب حاصلة بخلق الله تعالى ابتداء، على قول أكثر المتكلمين، أو متولدة من قوى خلقها الله تعالى في هذه الأجرام، على ما هو قول جمهور الحكماء وبعض المتكلمين، وعلى التقديرين فيصير حاصل الآية أنه تعالى أمر الرسول عليه السلام بأن يستعيذ بالله من الله، فما معناه؟ قلنا: وأي بأس بذلك، ولقد صرح عليه السلام بذلك، فقال: " وأعوذ بك منك " ورابعها: أراد به ما خلق من الأمراض والأسقام والقحط وأنواع المحن والآفات، وزعم الجبائي والقاضي أن هذا التفسير باطل، لأن فعل الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شر، قالوا: