سورة القدر خمس آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم * (إنا أنزلناه فى ليلة القدر) *.
* (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أجمع المفسرون على أن المراد: إنا أنزلنا القرآن في ليلة القدر، ولكنه تعالى ترك التصريح بالذكر، لأن هذا التركيب يدل على عظم القرآن من ثلاثة أوجه أحدها: أنه أسند إنزاله إليه وجعله مختصا به دون غيره والثاني: أنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر. شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التصريح، ألا ترى أنه في السورة المتقدمة لم يذكر اسم أبي جهل ولم يخف على أحد لاشتهاره، وقوله: * (فلولا إذا بلغت الحلقوم) * لم يذكر الموت لشهرته، فكذا ههنا والثالث: تعظيم الوقت الذي أنزل فيه.
المسألة الثانية: أنه تعالى قال في بعض المواضع: * (إني) * كقوله: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * وفي بعض المواضع * (إنا) * كقوله: * (إنا أنزلنا في ليلة القدر) *. * (إنا نحن نزلنا الذكر) *، * (إنا أرسلنا نوحا) *، * (إنا أعطيناك الكوثر) *. وأعلم أن قوله: * (إنا) * تارة يراد به التعظيم، وحمله على الجمع محال لأن الدلائل دلت على وحدة الصانع، ولأنه لو كان في الآلهة كثرة لانحطت رتبة كل واحد منهم عن الإلهية، لأنه لو كان كل واحد منهم قادرا على الكمال لاستغنى بكل واحد منهم عن كل واحد منهم، وكونه مستغنى عنه نقص في حقه فيكون الكل ناقصا، وإن لم يكن كل واحد منهم قادرا على الكمال كان ناقصا، فعلمنا أن قوله: * (إنا) * محمول على التعظيم لا على الجمع.
المسألة الثالثة: إن قيل: ما معنى إنه أنزل في ليلة القدر، مع العلم بأنه أنزل نجوما؟ قلنا فيه وجوه: أحدهما: قال الشعبي: ابتداء بإنزاله ليلة القدر لأن البعث كان في رمضان والثاني: قال ابن عباس: أنزل إلى سماء الدنيا جملة ليلة القدر، ثم إلى الأرض نجوما، كما قال: * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * وقد ذكرنا هذه المسألة في قوله: * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) * لا يقال: فعلى هذا القول لم لم يقل: أنزلناه إلى السماء؟ لأن إطلاقه يوهم الإنزال إلى الأرض، لأنا نقول: إن إنزاله إلى السماء كإنزاله إلى الأرض، لأنه لم يكن ليشرع في أمر ثم لا يتمه، وهو كغائب جاء إلى نواحي البلد