* (ورفعنا لك ذكرك) *.
فيها دف ومزامير قبل البعثة ليسمع، فضرب الله على أذنه فلم يوقظه إلا حر الشمس من الغد (وسادسها) الوزر ما أصابه من الهيبة والفزع في أول ملاقاة جبريل عليه السلام، حين أخذته الرعدة، وكاد يرمى نفسه من الجبل، ثم تقوى حتى ألفه وصار بحالة كاد يرمى بنفسه من الجليل لشدة اشتياقه (وسابعها) الوزر ما كان يلحقه من الأذى والشتم حتى كاد ينقض ظهره وتأخذه الرعدة، ثم قواه الله تعالى حتى صار بحيث كانوا يدمون وجهه، و (هو) يقول اللهم اهد قومي (وثامنها) لئن كان نزول السورة بعد موت أبى طالب وخديجة، فلقد كان فراقهما عليه وزرا عظيما، فوضع عنه الوزر برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياه فارتفع له الذكر، فلذلك قال (ورفعنا لك ذكرك) (وتاسعها) أن المراد من الوزر والثقل الحيرة التي كانت له قبل البعثة، وذلك أنه بكمال عقله لما نظر إلى عظيم نعم الله تعالى عليه، حيث أخرجه من العدم إلى الوجود وأعطاه الحياة والعقل وأنواع النعم، ثقل عليه نعم الله وكاد ينقض ظهره من الحياة، لأنه عليه السلام كان يرى أن نعم الله عليه لا تنقطع. ما كان يعرف أنه كيف كان يطيع ربه، فلما جاءته النبوة والتكليف وعرف أنه كيف ينبغي له أن يطيع ربه، فحينئذ قل حياؤه وسهلت عليه تلك الأحوال، فإن اللئيم لا يستحى من زيادة النعم بدون مقابلتها بالخدمة، والانسان الكريم النفس إذا كثر الانعام عليه وهو لا يقابلها بنوع من أنواع الخدمة، فإنه يثقل ذلك عليه جدا، بحيث يميته الحياء. فإذا كلفه المنعم بنوع خدمه سهل ذلك عليه وطاب قلبه.
ثم قال تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) *.
واعلم أنه عام في كل ما ذكروه من النبوة، وشهرته في الأرض والسماوات، اسمه مكتوب على العرش، وأنه يذكر معه في الشهادة والتشهد، وأنه تعالى ذكره في الكتب المتقدمة، وانتشار ذكره في الآفاق، وأنه ختمت به النبوة، وأنه يذكر في الخطب والأذان ومفاتيح الرسائل، وعند الختم وجعل ذكره في القرآن مقرونا بذكره: * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) *، * (ومن يطع الله ورسوله) * و * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * ويناديه باسم الرسول والنبي، حين ينادي غيره بالاسم يا موسى يا عيسى، وأيضا جعله في القلوب بحيث يستطيبون ذكره وهو معنى قوله تعالى: * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * كأنه تعالى يقول: أملأ العالم من أتباعك كلهم يثنون عليك ويصلون عليك ويحفظون سنتك، بل ما من فريضة من فرائض الصلاة إلا ومعه سنة فهم يمتثلون في الفريضة أمري، وفي السنة أمرك وجعلت طاعتك طاعتي وبيعتك بيعتي * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * لا تأنف السلاطين من أتباعك، بل جراءة لأجهل الملوك أن ينصب خليفة من غير قبيلتك، فالقراء يحفظون ألفاظ منشورك، والمفسرون يفسرون معاني فرقانك، والوعاظ يبلغون وعظك