من أجل كل أمر قدر في تلك السنة من خير أو شر، وفيه إشارة إلى أن نزولهم إنما كان عبادة، فكأنهم قالوا: ما نزلنا إلى الأرض لهوى أنفسنا، لكن لأجل كل أمر فيه مصلحة المكلفين، وعم لفظ الأمر ليعم خير الدنيا والآخرة بيانا منه أنهم ينزلون بما هو صلاح المكلف في دينه ودنياه كأن السائل يقول: من أين جئت؟ فيقول: مالك وهذا الفضول، ولكن قل: لأي أمر جئت لأنه حظك وثالثها: قرأ بعضهم: * (من كل امرئ) * أي من أجل كل إنسان، وروى أنهم لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه، قيل: أليس أنه قد روى أنه تقسم الآجال والأرزاق ليلة النصف من شعبان، والآن تقولون: إن ذلك يكون ليلة القدر؟ قلنا: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله يقدر المقادير في ليلة البراءة، فإذا كان ليلة القدر يسلمها إلى أربابها " وقيل: يقدر ليلة البراءة الآجال والأرزاق، وليلة القدر يقدر الأمور التي فيها الخير والبركة والسلامة، وقيل: يقدر في ليلة القدر ما يتعلق به إعزاز الدين، وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وأما ليلة البراءة فيكتب فيها أسماء من يموت ويسلم إلى ملك الموت.
* (سلام هى حتى مطلع الفجر) *.
الوجه الثالث: من فضائل هذه الليلة. قوله تعالى: * (سلام هي حتى مطلع الفجر) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: في قوله سلام وجوه أحدها: أن ليلة القدر، إلى طلوع الفجر سلام أي تسلم الملائكة على المطيعين، وذلك لأن الملائكة ينزلون فوجا فوجا من ابتداء الليل إلى طلوع الفجر فترادف النزول لكثرة السلام وثانيها: وصفت الليلة بأنها سلام، ثم يجب أن لا يستحقر هذا السلام لأن سبعة من الملائكة سلموا على الخليل في قصة العجل الحنيذ، فازداد فرحه بذلك على فرحه بملك الدنيا، بل الخليل لما سلم الملائكة عليه صار نار نمروذ عليه * (بردا وسلاما) * أفلا تصير ناره تعالى ببركة تسليم الملائكة علينا بردا وسلاما لكن ضيافة الخليل لهم كانت عجلا مشويا وهم يريدون منا قلبا مشويا، بل فيه دقيقة، وهي إظهار فضل هذه الأمة، فإن هناك الملائكة، نزلوا على الخليل، وههنا نزلوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وثالثها: أنه سلام من الشرور والآفات، أي سلامة وهذا كما يقال: إنما فلان حج وغزو أي هو أبدا مشغول بهما، ومثله: " فإنما هي إقبال وإدبار ".
وقالوا تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالخيرات والسعادات ولا ينزل فيها من تقدير المضار شيء فما ينزل في هذه الليلة فهو سلام، أي سلامة ونفع وخير ورابعها: قال أبو مسلم: سلام أي الليلة سالمة عن الرياح والأذى والصواعق إلى ما شابه ذلك وخامسها: سلام لا يستطيع الشيطان فيها سوءا وسادسها: أن الوقف عند قوله: * (من كل أمر سلام) * فيتصل السلام بما قبله ومعناه أن تقدير الخير والبركة والسلامة يدوم إلى طلوع الفجر، وهذا الوجه ضعيف وسابعها: